ألم اقل لكم ساركوزي عطر باريسي جديد
عندما فاز ساركوزي في سباق الانتخابات الفرنسية الاخيرة، قلنا في مقال سابق بأن فرنسا تقدم للسياسة العالمية عطرا جديدا. وتحدثنا عن التباكي الغير مبرر لبعض العرب علي شيراك وسياسته، واصفيه بصديق العرب. واشرنا ولازلنا عند نفس الراي ان السياسة العالمية في ظل صراع الهيمنة لاتعرف الصداقة الا بمعني واحد هو تبادل المصالح المشتركة، لذلك وفي نفس المقال ذكرنا ان فرنسا لايمكنها هكذا وعلي الاطلاق مصادقة العرب وتبني الدفاع عن مصالحهم دون مقابل مغري ومقبول.
وعلي ما يبدوان فرنسا ساركوزي ومنذ اليوم الاول له في الحكم، بدأت في التحرك لتبحث لنفسها عن دور عالمي تحقق من خلالة مصالحها كقوة عظمي في العالم لها نفوذ، وكان ذلك واضحا في تحركها نحو الاخرين والتوقف عن انتظارهم ليقدموا لها ماتريد، وتجلي هذا بوضوح في دورها لأنهاء قضية الممرضات البلغاريات مقابل استثمارات في ليبيا وصفقات سلاح مقدرة، وتدعيم وجودها في تشاد لدرجة تقديم مساعدات قوية لنظام دبي مقابل التواجد والاستثمارفي منطقة مرشحة لان تكون ذات ثقل مستقبليا، او دورها المتنامي في ازمة دارفور. والطريقة الفرنسية الجديدة هذه مأخوذة وبالكامل علي مايبدو من الفلسفة الامريكية للحرب الاستباقية التي تغلف الاهداف الحقيقية للهيمنة والصراع العالمي، ولكن فقط بتحويلها الي التحرك السياسي الاستباقي من اجل المصالح.
فأن كنا نشتم رائحة المفهوم الامريكي للهيمنة والسيطرة علي مقدرات العالم والفوز بالنفوذ العالمي، فاننا ايضا نلمس ميلا فرنسيا نحو ماضيها وارثها الاستعماري القديم، في تصريحات وزير خارجيتها كوشنار الاخيرة بخصوص الملف النووي الايراني. هذا الميل الذي يفضل التدخل العسكري المباشر وفرض الواقع بالقوة. وهذا ماهو الا الرجوع القهقري الي الخلف فكريا، بالضبط كما فعل فكر اليمين المتطرف الامريكي بقيادة بوش.
لذلك فأن تصريحات هذا الوزير تعلن بوضوح ان فرنسا لن تقف موقف المعارض من اي تسوية عسكرية اوحرب مستقبلية كما فعلت في الحرب الهمجية الاخيرة علي العراق، او علي اقل تقدير اصبحت تري في الحرب وسيلة من وسائل تحقيق المصالح. ورغم ان تصريحات كوشنار قد تم تعديلها لتصبح اقل حده الا انها كانت كافية لتكون مؤشرا الي السياسة الفرنسية الجديدة التي تسعي لان تلعب دورا كقوة عالمية عظمي.
ولكن يجب ان لايغيب عن ذهن فرنسا ساركوزي، ان لاوزنها العسكري ولاحجمها الاقتصادي، ولا دائرة نفوذها يتيحان لها القيام بهذا الدور منفرده، وهذا واضح في النفوذ الفرنسي المتأكل دون توقف في افريقيا كان اخرة التدخل الامريكي السافر لدعم انظمة النيجر والسنقال ماديا وعسكريا لدحر تمرد الطوارق، علما بأن هذه الدول تقع تارخيا في دائرة النفوذ الفرنسي. او دورها في ازمة دارفور المطبوخة امريكيا في قدر فشل الحكومة السودانية لخلق بلد مستقر، والذي لم يترك لفرنسا سوي الفتات فيها.
وبالتالي فأننا لانعارض ان تلعب فرنسا دورا عالميا فهذا يكسر الاحادية القطبية، ولكننا نرفض ان تحاول ذلك بالعقلية الامريكية، فهذا رهان خاسر لادليل عليه اكبر من هزيمتها في افغنستان والعراق وفينزويلا ولبنان واي منطقة اخري حاولت ان تنفذ فيها هذه الفلسفة المتعصبة المتخلفة. فلتكن فرنسا دوما مشعل التنوير والعقل والحرية والديمقراطية وليس العكس.
تعليقات