ذهب العسكر في باكستان و جاء العسكر في موريتانيا
في الاسابيع الماضية راقب الجميع مسار الاحداث بعد الانقلاب العسكري الاخير في موريتانيا علي الحكم الديمقراطي الذي استبشرت به القارة الافريقية والوطن العربي بعد تسليم المؤسسة العسكرية الحكم للمدنيين في خطوة شبه كربونية لتلك التي حدثت بعد اسقاط النظام المايوي في السودان اواسط الثمانينات من القرن المنصرم.وبذلك يكون هذا الانقلاب بمثابة أحدث تأكيد في افريقيا والوطن العربي والعالم الثالث برمته يصدر عن المؤسسة العسكرية يؤكد انها لازالت تري ان السلطة حق مشروع لها تتنازل عنه وتسترجعه متي ارادت ذلك. فأذا نظرنا فقط للفترة من عام 1952 الي عام 1986 في الوطن العربي سنجد ان حوالي 34 انقلاب عسكري قد حدث بنجاح وتذهب بعض الاحصائيات ان هذا العدد يمثل 23% من الانقلابات الناجحة التي حدثت في العالم الثالث، وترتفع النسبه الي 53% من مجموع الناجحة والفاشلة معا.
والعقيدة العسكرية المتمثله في رؤيتها للسلطة كحق شرعي لاتنبع من فراغ هكذا ، اوفقط لأغراءات السلطة التي لاتقاوم، بل ان للسياسيين المدنيين دورا بارز في تعميقها ففي كثير من الاحيان يكون العسكريين ذوي ميول حزبية فيستولون علي السلطة لصالح احزابهم اويكونوا ضحايا مؤامرات الساسة المدنين فيدفع بهم للمبادرة باغتصاب السلطة ليكونوا حينها مجرد ادوات لتصفية حسابات الاخرين
وهذا كله لايعني الاشئ واحد هو ان الوعي الديمقراطي لم ينضج بعد في العالم الثالث، فحينما تتوافر عقيدة عسكرية تري الاستيلاء علي السلطة امرا مشروع، يقابلة قناعة المدنين بان الانقلابات العسكرية اداة من ادوات الصراع السياسي وليس صندوق الاقتراع تكون ظاهرة الانقلابات امرا وارد الحدوث باستمرار. وهذا معروف في كل انقلاب حدث وسيحدث في منطقتنا الي درجة اننا سوف نري تماثلا شبه متطابق ليس في الاحداث بل حتي في الخطاب المطروح ما بعد الانقلاب. والانقلاب الموريتاني الاخير خير دليل، ففي كل انقلاب يكون التبرير ان ماحدث ماهو الا حركة تصحيحية، وانقذ للبلاد مما وصلت اليه من ترد سياسي واقتصادي واجتماعي وذهاب هيبة الدولة، وما يلبث الامر حتي يتضح دور الاحزاب السياسية في الامر برمته، وفي العادة يكون حزب من الاحزاب هوالمحرك الاساسي للاحداث ، الا ان التجربة الموريتانية ذهبت بالامر لاكثر من ذلك حيث انقسمت الاحزاب السياسية حول موقفها من الانقلاب بين مؤيد ومعارض بما فيها حزب الرئيس المخلوع نفسه ، فنظريا في حالة النضوج الحزبي والوعي الديمقراطي يكون موقف الاحزاب دون نقاش هو الرفض.
هكذا تولد دائرة الانقلابات العسكرية لتصل الامور حد التازم المحتوم ـ ليخرج العسكر من السلطة ويعود للمدنيين غير الناضجين تماما كما حدث في باكستان باستقالة مشرف اخيرا.
وللخروج من دائرة انقلاب – حكم مدني – انقلاب يجب اولا تغير نظرتنا الي ان العسكر باعتبارهم هم السبب فالحقيقة ان الاحزاب السياسية والفكر الديمقراطي غير الناضج والذي لايؤمن بقيمة النضال السياسي السلمي كسبيل وحيد للتغير لهما الدور الاكبر في استمرار هذه الدوامة. الدوامة التي تعتبر البوابة الاولي للتدخل الاجنبي والهيمنة الاستعمارية وهذا ما سوف نطرحة لاحقا.
تعليقات