عودة ثانية الي الدش والفضائيات
اذا كانت القناة الواحدة في زمنها معبرة عن النظام الحاكم، ويسهل من خلالهاغسل ادمغة الناس وحجب اشياء واظهار أخري، فأن عصر القنوات المتعدده بات يعبر بالاضافة الي انظمة الحكم عن افراد واحزاب وجماعات مختلفة تباينت اهدفها واتفقت علي هدف واحد غير معلن هو المال، ورغم أن الواحد منا يحتاج لتوليفة من المعلومات منها السياسي والاقتصادي والعلمي ومنها ماهو ترفيه يروح به عن نفسه، الا أن هناك شعور واضح للمدقق يخالجه حين ينظر للصورة ككل بأن مايحدث هو محاولة واضحة لجعلنا نعيش زمن افتراضي مخالف لذلك المعاش يعتمد في الاساس علي الهدر السافر للزمن وقيمته، ويلهينا عن مشاكلنا الحقيقية.
.... هذا ماوجدته وانا اطالع مقال قديم كتبته قبل عام مضي، والذي دفعني لمطالعة هذا المقال القديم هو اجتماع وزراء الاعلام العرب الاخير والذي عقد في القاهرة بخصوص البث الفضائي العربي رغم مرور اسابيع علي انقضائه.
وحين عاودت التفكير في هذا الامر من جديد وجدت ان قناعاتي القديمة لازالت تراوح مكانها وهي اننا وفي ظل فلسفة تحرير السوق التي اباحت الاستثمار في كل شئ حتي الاخلاق بل حتي الانسان ذاته، هي واحدة من الاسباب التي خلقت اعلاما عربيا مشوها وضعيف تمثل في الانفجار الفضائي القنواتي ان صحت التسميه والذي لايري شئ ولايهدف الا لحشو الجيوب بالمزيد المال من خلال مواد اعلامية رخيصة ومبتذله لاتؤدي دورا غير تخدير المشاهد لتغرقه اكثر في ما اسميناه الزمن الافتراضي المخالف للواقع من جانب ومن جانب اخر وخلف الكوالس تلهي المواطن عن نقد اخطاء حكوماته.
ولا اعتقد ان هناك من يخفي عليه ان كل هذا وببساطة من صنيعة السلطة في البلدان العربية وبلا استثناء تقريبا، فأي بلد عربي سوف تقوم بدراسة مساهمته الفضائية ستجد يد الدولة خلف الستار. وهذا طبيعي فالدولة ذات الطابع البوليسي والحكم المطلق والوراثي اي دولة الاستبداد المطلق والوجود بالقوة هي النمط السائد بل الوحيد في الدول العربية.
فأن كان الامر كذلك فما الذي يمنع وجود اصابع الدولة خلف القنوات التلفزيونية. وان تركنا كل هذا جانبا فاننا لانستطيع التغاضي عن حقيقة ان فلسفة تحرير الاسواق وانسحاب الدولة من مسؤلياتها الاساسية وترك كل شئ لخصخصة غيرمراقبة وموجهة لصالح الشعوب هي من انتاجها وتطبيقها، وبالتالي فأن القنوات التلفزيونية واكثر من تسعون بالمائة منها في تقديري ملك خاص تكون في التحليل النهائي ستار تحتمي به السلطة الا من رحم ربي، لما يقدمه هذا القطاع لها من خدمات لم تستطع حتي اجهزة الامن بكل امكانياتها وقسوتها ان تقدمه للسلطة. فالمواطن اصبح مسمرا امام شاشات التلفزيون بالساعات بغض النظر عن ما يشاهده بل اكثر من ذلك يقدم امواله هباء منثورا من خلال الاشتراكات في قنوات لاتستحق حتي مشاهدتها مجانا او عن طريق رسائل الهاتف المحمول الوسيلة الجديدة لمص دماء الناس. ومراجعة بسيطه للقنوات الفضائية العربية وملاكها سيسهل اكثر التأكد من وجود السلطة خلف كل هذا.
اذن لماذا اجتمع وزراء الاعلام العرب الانيقين في القاهرة بخصوص ما اسموه تنظيم البث الفضائي؟
هذا بالضبط ما يرد في الخاطر حين نتأمل هذا الاجتماع الا ان العجب سيختفي حين ندقق اكثر في نتيجة الاجتماع متمثلا في ما اسماه المجتمعون بوثيقة تنظيم البث الفضائي، حيث لم يتناول المتباحثون امورا مثل قنوات الدجل والشعوذة والفن الرخيص الذي يعرض الاجسام عوضا عن الفنون ، أو قنوات التطرف الديني والمذهبي، بينما هم انفسهم من يمنعون قناة مثل الزوراء تعرض عمليات النضال والجهاد ضد الاحتلال في العراق، اويمنعون الشركات من بث اعلاناتها علي قناة مثل الجزيرة امعانا في تجفيف مواردها لانهم لايستطيعون سماع صوت نقدهم، واكبر دليل علي ان الوثيقة لم تري غير الزعامه والكراسي ما ورد فيها من عدم التعرض للدول وقياداتها وما اسمته بالرموز الوطنية فيها.
لعمري انها زراعة في البحر،ففي ظل ثورة المعلومات والاتصالات، ليس هناك شئ يمكن حجبه،أفلم يكفهم خلق اعلام مكبل متهافت لايقدم سوي سفاسف الامور، فحتي هذا لم يرضي طموحاتهم فأرادوا زيادة قيوده.
تعليقات