البارد في نهر البارد
البارد في عاميتنا يعني زجاجة مشروب غازي مثلجة او كوب من عصير صناعي لاندري كيف صنع فالفواكة رغم تواجدها المكثف في الاسواق الا انها اصبحت عزيزة المنال. فكلمة البارد اختصار لكل اسماء واشكال المرطبات، حين لايملك الواحد منا الا القليل من الجهد للحديث وهو تحت وطئة العطش في جونا الحار هذا وشمسنا الساطعة اللفاحه.
اما في لبنان فلامر مختلف فالبارد هو لهيب قذائف تتطاير هنا وهناك في مخيم للاجئين الفلسطينين،كعشرات المخيمات الاخري الا انه يتميز بتنظيم فتح الاسلام الذي لم نسمع عنه بكل هذا الزخم الاعلامي الا والجيش اللبناني يحاصر المخيم.
وان كان التنظيم بهذا الظهور المفاجئ اشبه بالنبت الشيطاني، الا ان التقاتل الفلسطيني الاخير في الاراضي المحتلة، اثبت ان هناك تنظيمات اخري تنبت كبدائل للقديمة، صحيح ان بعضها يموت مبكرا اما تحت ضغط توازنات السياسة العالمية او نتيجة ضحالة فكرها وممارساتها، ولكن النتيجة واحدة هي ان التنظيمات القديمة اخذت في التلاشي لعدم قدرتها علي التجدد والتجديد.
وقد يقول قائل ما علاقة كل ذلك بالتقاتل الفلسطيني الفلسطيني الجاري الان، نقول ان تقاتل تنظيمين كبيرين مثل فتح وحماس يدل علي ان التنظيمات القديمة لم تقدرعلي التعايش في ظل الديمقراطية. ورغم ان حماس اصغر عمرا بكثير من فتح، الا ان الاخيرة علي ما يبدو اخفقت في الخروج من جلباب القائد الاوحد الذي ورثته عن الراحل ياسر عرفات. وفشلت في محاربة الفساد الداخلي في صفوفها ففقدت بذلك قواعد جماهيرية كبيرة كانت نتائجه واضحه في اكتساح حماس للانتخابات الاخيرة. واستيلاء حماس الاخير والسريع علي المواقع الحكومية وفرار عناصر فتح لمصر دليل اخر.
اما في امتحان النضال والثوابت فأخر سقطات فتح هو الشكل الذي بانت به جراء الافراج الاسرائيلي عن الاموال الفلسطينية لديها والدعم الامريكي الواضح والمفضوح بعد الاحداث الاخيرة، واعلان الاثنين اسرائيل والولايات المتحدة عن عدم رغبتهما في رؤية حكومة فلسطينية بها حماس في صفعة قوية للديمقراطية، وزاد الطين بله تصريحات ابو مازن الاخيرة المخيبة للامال. وهنا السؤال هل ستنداح فتح مع الاسرائيلي والامريكي وتعمل بناء علي مصالحها الخاصة وتقتلع حماس والتجربة الديمقراطية بمساعدات خارجية، ام ان النضال يستوجب حل الازمة سريعا وداخليا تفويتنا للفرصة علي اعداء القضية الفلسطينية. الخيار الاول يعني رصاصة الرحمة علي تنظيم يحتضر،والثانية قد تكون بعيدة المنال علي من وقعوا استسلام اوسلو الا اذا ما لعب الحظ دورا ايجابيا في كل الامر.
اما حماس فلم تستطع التحلي بروح مرنه تجاه كل الضغوط الخارجية والداخلية والطواطئ علي التجربة الديمقراطية التي اتت بها الي السلطة لفترة طويلة، صحيح ان تجفيف الموارد والحصار والاغتيالات وتنكر الاشقاء كلها ضغوط هائلة، الا ان حماس اظهرت ضعفا واضحا في استخدام اليات سياسية مرنه ومن جانب اخر سهولة استفزازها وجرها الي معارك جانبية ادت الي انهيار الوضع كله.
وان كانت فتح لم تستطع هضم الديمقراطية بسبب عدم القدرة علي الخروج من عقيدة القائد الاوحد والتنظيم الاوحد، فان نفس الداء مصابة به حماس ففكرها لم يظهر القدر الكافي من الانفتاح وظل رهين فكر الاسلام السياسي المنغلق المبني علي عقيدة امتلاك الحقيقة الدينية، وهذا واضح فهي لم تنجح في التحول الي تنظيم سياسي مدني يحتمه توجدها في السلطة بجانب بنيتها العسكرية بحكم طبيعة القضية الفلسطينية، وظل الاخير هو المسيطر علي تفكيرها وسلوكها.
وبالتالي يكون ظهور تنظيمات اخري بغض النظر عن ارائنا فيها مثل فتح الاسلام مثلا استجابة سريعة للفراغ الناشئ عن تراجع التنظيمات القديمة.
تعليقات