تحت تهديد السلاح تجربة لا أود أن ايشها مرة أخري



.
لم تمحو السنوات الثماني عشر التي انقضت هذه الحادثة المرعبة من ذاكرتي، والاحداث الاخيرة من خروقات امنية في الخرطوم وملكال احيتها من جديد وجعلتها بارزة وانا اطالع مرايا نفسي.

حين هبطت بي الطائرة كان الجو باردا برودة لم اعهدها من قبل ، كل ما احمله حقيبة صغيرة وملف مهترأ يحوي شهاداتي واوراقي الثبوتية ، وبقميصي الخفيف (النص كم) حللت علي هذه المدينة المنكوبة باحثا عن فرصة للدراسة.
اول ما اعطونيه ليس خريطة المدينة ومعالمها البارزة، بل شئ اشيه بالوصايا العشر، ان لم تتبعها لربما وبكل بساطة قد تفقد حياتك

*حتي ولو في وضح النهار لاتسير في الشوارع الفرعيه او الخاوية من الماره.

* المواصلات العامة وتحديدا الحافلات هي فقط المسموح بركوبها.

* اذا سالك احدهم سيجارة فلاتتردد بل اشعلها له ان اقتضي الامر.

* قبل المغيب يجب ان تكون داخل بيتك.وغير ذلك الكثير.فلقد حللت علي مدينة تعيش حالة من الانفلات الاشبة بالافلام ، حالة من التمرد الغريب علي سلطة الدولة والقانون أم علي اوضاع اقتصادية واجتماعية بعينها لا ادري ، فالشئ الوحيد الذي عرفته انها كانت غارقة في فوضي انتشار السلاح عشوائيا بين الناس.

المهم كان علي ان اشرع في انهاء اجراءات الالتحاق بالجامعة، وبالفعل وبعد يومين فقط من وصولي وجدت من يوصلني اليها بسيارته الخاصة، وكعادتنا في الغربة انها لي الطلاب السودانيين كل شئ وودعوني عند البوابة واعدين بترتيب امر اقامتي في سكن الطلاب.
ودعتهم وانطلقت بالضبط كانت الساعة الواحدة ظهرا، والشمس تكاد لاتفعل شيئا غير بعثها للضياء، والبرد قارس يصفعني علي وجهي بلارحمة، اقبض بكفي المتخشب من البرد علي ملف الشهادات ، وبالاخري لفافة تبغ ماركة مارلبورو بالكاد اوصلها شفاه علها تبعث في شئ من الدفئ (كم كنت فخوراباقتنائي علبة التبغ هذه، كنت اقول ياااه عشرون سيجاروة في علبة واحدة وكمان امريكاني)، وطيلة الطريق الي محطة الحافلات افكر فيما قيل لي ولكي اطمئن نفسي كنت جاهدا احاول ان اقنعها باننا شعب نهول الاشياء (وكل شئ نزيدو كوز).
وقفت مرتعدا من البرد انتظر الحافلة وحين بدات الدماء وكانها ستتجمد في عروقي قررت ان اركب اي شي، اول من سيتوقف ساركب معه فلست مستعدا ان اموت متجمدا في هذه البلاد.

توقفت سيارة اجرة تعمل بنظام الطرحة (اختفت هذه الكلمة الان) داتسون بيضاء متهالكة، السائق وبجانبه راكب وفي الخلف اخر.

سألني السائق – الي اين ؟
- حي المطار.
- من السودان؟
- نعم.
- اهلا يا ابن النيل وانا من مصر

لم يكد الرجل يتمم كلامة حي صعقت مما رايت ، خنجر وضع علي جنب السائق ووخزات ثقيله من فوه مسدس علي صدري. تم تفتيشي والسائق وقلبنا راسا علي عقب ن نهبوا كل شئ حتي علبة المارلبورو لم تسلم، وعندما اكتشفوا انني لست بالصيد الثمين انتزع احدهم الملف مني ، وحين سالتة ان يعيده رفض بحجة انه سوف ينزع صوري ويضع بدلا عنها صورة ويقدمها للجامعه ، تخيلوا!!
وهكذا اصبحت في مهب الريح لااوراق ولاشهادات ولاحتي جواز سفر اعود به من حيث اتيت.

وفجأة تعطلت السيارة فظننت ان الفرج قريب ، وتحت تهديد السلاح وعد السائق باصلاحها في اسرع وقت ممكن ، دعوت اللة ان لايفلح.هبطنا كلنا من السيارة وحينها ادركت ان الفرج ليس بقريب وسيارات النجدة تروح وتجيئ وتحت ناظريهم السلاح ولايتوقفون لانقاذنا.. هل تصدقون هذا؟.
وحين غلبتني الحيلة قررت ان استجدي علني انقذ مستقبلي من بين اياديهم، ففوجئت بأحدهم يسالني ، انت ياسوداني طالب؟ فاجبت نعم،وانا ذاهب الي المطار فلقت عرفت ان احد معارفي سيصل اليوم عله يعطيني بعض النقود .
وهنا كانت الصدمة حين رد قائلا، انت ضيف علينا وسوف نوصلك وجهتك ، ثم انهالوا علي السائق المسكين ضربا لكي يصلح السيارة فاصبحت بين نارين شهاداتي واوراقي التي ماذالت عندهم والمسكين الذي يضرب من اجلي ، فاي جنون هذا؟!
واخيرا القوا بالملف في وجهي وتركونا حين لمحوا فريسة اخري في الجهه المقابلة لشارع ، فيا اهل السودان لاتتركوا فوضي السلاح تنتشر فأنتم لاتعرفون كم هي قاسية.

أيمن حاج




تعليقات

هذه المقالة تم نشرها في صحيفة الحياة السياسية السودانية
هذه المقالة تم نشرها في صحيفة الحياة السودانية

المشاركات الشائعة