السقوط في امتحان الخبز



مرة الايام السابقة علي قلب المواطن المسكين ثقيلة محملة بكثير من الهم والغم ، فلم يكد يبدأ بالتفكير في العيد ومتطلباته حتي باغته القدر بارتفاع اسعر الخبزوالدقيق. ومواطننا كما هو دائما لم ينبث ببنت شفه فهوحمال الاسيه وجمل الشيل ، ومنذ زمن ليس ببعيد رفع قولا وعملا شعار الشكوة لغير اللة مذلة.
وفي مقال اول اشرنا الي اهمية فتح ملفات الزراعة في السودان من جديد، واشرنا الي ان ذلك استجابة لعاملي البيئة والطاقة الذين يتحكمان الان في القرار الدولي بشكل شبه مستقل عن العوامل الاخري وقد يكون اكثر منها قوة وفاعلية ، ومشيرين الي احتمالات بل حتمية ارتفاع اسعار الغلال، نتيجة هذين العاملين اضف الي ذلك تكهنات خبراء النفط الذين يتوقعون ارتفاع اسعر النفط بنهاية هذا العام الي ارقام قياسية وصلت تقديرات البعض منهم الي خمسة وتسعون دولارا للبرميل ، الشي الذي يضغط اكثر تجاه البحث عن بدائل ارخص واقل فتكا بالبيئة. ولم تكد بضع ايام تمرعلي حديثنا هذا حتي اصبح امرا واقعا.
وفي مقال ثاني اشرنا وعلي خلفية هذه الاحداث ، ان حل هذه الازمة غير ممكن اعتمادا علي نمط التفكير الذي ننتهجه والذي يربطنا دوما بالنظرفقط تحت اقدامنا، وذلك للاسف الشديد علي المستوي الرسمي والشعبي كذلك، فلم يعد ذونفع الان التمسك بفكر رزق اليوم باليوم لانه ببساطة يعني الانتحار.

والان اذا ماعدنا اسبوعين اوثلاثة الي الوراء بعد حدث ارتفاع اسعار الخبز والدقيق الاخيرة نتيجة التغيرات الجوهرية التي حدثت جراء الاحتباس الحراري والبحث عن بدائل الطاقة. اقول كنا نتوقع حملة مدوية في الصحف ووسائل الاعلام المختلفة تشرح اسباب ما حدث ويحدث، تشرح للمواطن البسيط لماذا ارتفع سعر رغيف الخبز وماذا نحن فاعلون. ومع ان هذا ما لم يحدث بالشكل الذي يوازي حجم الحدث وخطورته، فأن تناول الموضوع علي استحيائة تمت تعبئته بالمؤشرات الخاطئة تارة، والتهوين السخيف تارة اخري، والتضليل تارة ثالثة، واستغلال الموقف من اجل كسب سياسي رخيص تارة رابعة.

والمتطلع الي الجو العام يحيرة هذا الصمت المطبق ، فالجانب الرسمي متمثلا في الحكومة، كل مافعلته هو تشغيل بضع اسطوانات قديمة من شاكلة النفرة الخضراء. وحتي ولو كانت صادقة في نفرتها هذه فان ذلك لايوصف سوي بانه اما تضليل او قصور في التعامل مع الاحداث، فالامر لايحل بنفرة نقوم بها اليوم وفي اليوم الثاني يذهب كل منا الي بيته.انها خطة استراتيجية طويلة المدي تحتاج لكثير من الكد والجد والنضال. والحكومة صمتها قد يكون مفسرا في جانب، فهي من انزل سياسة التحرير الي ارض الواقع ورفعت الدعم عن الخبز منذ زمن، اي انها اختارت ان لايكون هذا الموضوع احد شواغلها ناهيك عن مسؤلياتها. ولكن ما لا نستطيع تبريرة هو عدم وجود اي خطط نهضوية حقيقية تخلق ثورة زراعية في البلاد كما كانت تدعي اولي سني الانقاذ وترفع شعار نأكل مما نزرع، بل انه حتي الحد الادني المتمثل في خطة للطوارئ اشك انه موجود من الاساس تحت هذا الظرف الضاغط والخطر.
.
واذا ما تفحصنا موقف الاعلام، فسنجد ان صمته اشد قسوة وبشاعة، فهو لم يتجاوز بضع استطلاعات هنا وهناك حول ازدياد اسعار الخبز والدقيق تم اجراءها بين اصحاب المخابز وبضع مواطنين مغلوبين علي امرهم، كأن الحكومة ووزارة الزراعة والمزارعين واتحاداتهم والبنوك ومراكز الابحاث والمصدرين والمستوردين خارج اللعبة بكاملها.
وهذا الموقف اشد بشاعة كما ذكرنا، لانه حوي علي قلة ما نشر لكثير من المغالطات والتشوية والتضليل في بعض الاحيان والتملص من المسؤليات، فمثلا في احدي الصحف السودانية الكبري كما نعتقد، كتب المحرر قائلا (
ويرى اقتصاديون ان المسألة تبدو طبيعية فى ظل انفتاح السوق وسياسة التحرير التى تطبقها الدولة منذ امد بعيد) فهذه مغالطة ، فالمسألة لاتبدو طبيعية فقط لهذا السبب، فهناك الان اسباب عالمية ذكرناها مرارا هي الاحتباس الحراري وازمة الطاقة، الذين يهددان هذا السوق المنفتح نفسه بعدم القدرة علي مواصلة امدادة بمتطلباته. وتضليل لانه يوحي بأن مجرد وقف سياسة انفتاح السوق سيحل المشكلة.
اوحين يكتب علي لسان احد السؤلين ( اعلنت وزارة ...... على لسان وكيلها..... ان وزارته ليس لديها اى تدخل فى امر الزيادة التى تترك دائما لآلية السوق) ألا يكون ذلك تملصا من المسؤولية. أو حين ينشر علي لسان مسؤول اخر (ان الدولة لن تتدخل الا فى حدود مسؤوليتها ولكنها تسعى الى تخفيف معاناة المواطن عبر طرق شتى وليس الدعم المباشرلان الميزانية من الصعب ان تستوعب اية اعباء.....) وهنا نتسائل وهل للحكومة حدود لمسؤولياتها تجاة مواطنيها! ثم لماذا لاتتحمل الميزانية؟ لنسقط المخصصات الزائدة لهذا وذال والتي نعرفعا جميعا ونوقف التعدي علي المال العام ونري هل تتحمل ام لا.
ثم انظر كيف تكون الحلول انية مبنية في الاصل علي فلسفة النظر فقط الي ما اسفل القدمين ورزق اليوم باليوم، حين ينشر اقتراح يري (....الاتفاق على صنع نوعين من الخبز احدهما فاخر والاخرعادى لكل الشرائح المجتمعية...).

والحديث كذلك لا يخلو من الاصطياد في الماء العكرمن اجل مكسب سياسي، فها هو حزب سياسي يصرح ان المسؤلية تقع علي الحكومة مباشرة، وهي التي تسببت في هذه الزيادة الاخير. فان سلمنا بهذا ونحن فعلا كذلك، جراء الضرائب والرسوم الباهظة التي ساهمت في ارتفاع تكاليف الانتاج والتدهور المريع في كل الميادين الصناعية والذراعية، فاننا لانقف عند هذا الحد ونبتر الموضوع حين لانتحدث عن هاجسنا الاول وهو الاحتباس الحراري وازمة الطاقة. فمن باب اولي ان نتحدث عنهما ونقدم برامج حزبية واضحة في كيفية التعامل مع هذا الوضع فالمسالة اكبر من حكومة اوحزب بل هي مسالة شعب بأكملة وهذا هو الكسب السياسي الايجابي والحقيقي
.

تعليقات

المشاركات الشائعة