في دارفور هل كانت الماركسية علي حق



الاقتصاد هو الذي يحرك كل شئ، هكذا لخصت الماركسية افكارها وهكذا يمكن ان يقول لك اي ماركسي حتي ولو لم يطلع يوما علي كتاب راس المال لكارل ماركس. وهذه حقيقة يعرفها الجميع، فحتي اكبر اعداء الماركسية حين يثرثر بين الناس عن الحادية الماركسية وكفرها أو عن انهيار الاتحاد السوفييتي صنيعتها ونموزجها الاول، لايستطيع وفي نفس الوقت نكران سلطان الاقتصاد علي التاريخ والاحداث والانسان ذاته. والعكس صحيح فالماركسية الحديثة ان جاز التعبير لم تعد قادرة علي نكاران وجود محركات اخري بجانب الاقتصاد تساهم بتحريك المشهد كله، مهما حاولنا جعل البعض نتائج حتمية للاخري، فالانسان مادة وروح اليس الايمان بالماركسية نفسها عمل انساني غير مادي ولد عنه امبراطورية السوفييت العظمي، انه نفس الايمان الغير مادي بالاساس الذي حول بدو جزيرة العرب الي امبراطورية وحضارة عالمية يوما ما.
ومع كل ماقلناه نجد ان التفسيرات الماركسية اي ارجاع الاسباب لينبوع الاقتصاد، مناسبة لتوصيف الازمة الدارفوريه، هذه الازمة التي اختصرت مشكلة السودان ككل وابرزتها بشكل جلي اكثر حتي من حرب الجنوب اطول حروب القارة السمراء الام. وتفسيرات الماركسية هنا انجع لا لانها سوف تكشف لنا عن اسباب نجهلها وتقول فقط الاقتصاد هو السبب بل لاننا بذلك سوف نتجنب كثيرا من مماحكات ولربما اكاذيب اهل السياسة الذين حولوا الامورالي مجرد حرب بين عرب وافارقة وحينا اخر دفاعا عن السيادة الوطنية اومن اجل تقاسم عادل للسلطة والثروة ومحاربة التهميش الي اخرة من اسباب يسوقونها اما جهلا او اخفاء لما صنعته ايديهم من تخريب اقتصادي حدث عبر عمر الدولة السودانية ذاتها وهنا الحديث ليس عن حكومة ومعارضة اوفصائل متمردة بل عن النخبة السياسية السودانية اجمالا.
والازمة الدارفورية كما ذكرنا سابقا لخصت مشكلة السودان كله، واوضحت ان لب البلاء في الاقتصاد، اكثر من اي ازمة اخري مرت علي هذا البلد المنكوب، فأن كانت حرب الجنوب استدعت الفروقات الدينية والعرقية والثقافية مبررا لوجودها ثم اضيف اليها في ذيل القائمة الاقتصاد باسم مستعار هو التنمية غير المتوازنة، فأن الازمة الدارفورية بالمقابل حالة معاكسة تماما تثير الكثير من التساؤلات عن كيفية ادارة الساسة لها.
فرغم ان الجميع يعلم ان الاقتصاد هو مفجرالازمة، بينما الفروقات الدينية غائبة والعرقية والثقافية من الضألة بمكان انه لايمكن الاعتماد عليها كمبرر، إلا أنه لم يتم استدعاء هذه الاخيرة وحسب بل تم اذكائها وتسعير نارها بغباء منقطع النظير لايستطيع تفسير تاريخ امتد لمئات السنين من التعايش السلمي والذي لم يضعف الابضعف الاقتصاد.
ومالم تقله الماركسية، وندركه نحن الان هوان الاقتصاد بات محركا تاريخيا محرك بدوره بالبيئة، فأن كانت تنبؤات ماركس تقول ان الاقتصاد الرأسمالي سيقود الازمة بأتجاه عنق الزجاجة لتنفجر الاوضاع وتولد دكتاتورية البلوريتاريا فالاشتراكية ثم الشيوعية، لم يكن يتخيل ان البيئة هي التي ستنفجر اولا مولدة ديكتاتورية الطبيعة التي فرضت الان بالفعل قوانينها علي الاقتصاد والسياسة والمجتمع، فنحن الان نعيش عصر المجاعات وارتفاع اسعار الغذاء والجفاف وحروب المياه، وازمة دارفور احدي البنات الشرعيات لاقتصاد البيئة هذا مدارا بسياسات اقتصادية فاشلة للدولة السودانية منذ ميلادها. اذن اصلاح الاقتصاد هو الهدف الاساسي الذي يجب ان تدور عليه كل الاحداث ليس لحل الازمة الدارفورية بل ازمة الدولة السودانية كلها.

مداخله اخيره .. احد المحللين السياسيين ذهب الي ان تسليح القبال العربية اي الرعوية في دارفور بداء في الثمانينات من القرن الماضي حين تجاوزت صادرات المواشي ومنتجاتها الصادرات الزراعية لاول مرة في تاريخ السودان مترافق ذلك مع الجدب والقحط الذي ضرب البلاد وغرب السودان تحديدا تلك الفترة. فهل هذا دليل اخر علي دور الاقتصاد في الازمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة