مشاهدات من الحج -3


في مكة بعثة الحج بين ضعف التخطيط والتنفيذ والرقابة



في مقال سابق ذكرنا اننا قضينا في المدينة المنورة خمسة ايام . ثم بدأت رحلة الانطلاق الي مكة المكرمة تلك المدينة المحورية في الاسلام كدين وكتاريخ عبر ميقات ذوالحليفة حيث سنحرم .ومسرعين نجر حقائب لا ادري من اين أتت ومتي اصبحت هكذا كثير ثقيلة ومنتفخة نتزاحم لنستقل الحافلات. وبمجرد ان صعدنا بعد جهد جهيد علي متنها، انطلقت الشكاوي من جديد لان المفاجئة تمثلت في ان المقاعد كانت في شدة الضيق ، ولكن الكل ومن حسن الحظ كان لايفكر سوي بمعرفة المناسك فالخطوة التالية بحسب ما قرأناه في الكتب المجانية الموزعة علينا انها ذوالحليفة ميقات الاحرام، ومعرفة المناسك هذه كان هاجسا لان لا احد من البعثة السودانية ولا امراء الافواج كان يجالس مجموعته بصورة منتظمة في حلقات درس توضيحية وانشغلوا اكثربالنواحي التنظيمية والادارية وقد يقول قائل ان هذه هي مهمتهم ولكن نقول لا فهناك الجاهل والمسن والمريض المحتاج للرخص وهناك وهذا الاخطر مدعي المعرفة الذي يفتي كما يشاء. ولولا ان السلطات السعودية أنشأت مجموعة من الاكشاك بها مختصين يمكنك سؤالهم عن المناسك ليفتوك فيها لكان الوضع اسوء، و قيام البعثة بهذه المهمة يقربها للحجيج ويبعث في نفسهم الطمانينة وينظمهم وهذا جانب ضعف كان له اثر في غاية السوء فيما بعد، ويالاروعة الحجيج الاسيوي وامراء الحجيج الاسيوي قمة الانضباط والتنظيم. فأنت تراهم لايتحركون الا في جماعات منظمة يرتدون لباسا موحدا يسير كل امير جماعة امامهم رافعا راية مميزة وبيده مكبر صوت، والجدير بالذكر انه حتي الدول الافريقية كانت في زي موحد يحمل الطابع الافريقي المعروف ليسهل عليهم التعرف علي بعضهم. وهنا خالجني خاطر بل بالاحري تساؤل مفاده انه اذا كان امراء الحجيج السوداني يعانون ضعف في العملية التنظيمية فما بالنا نحن كحجيج لا نميل الي التجمع سويا فكل منا كا يتصرف وكأنه بمفرده اونسيرفي جماعات متناهية الصغر قد لا تتجاوز عدد اصابع اليد، لدرجة اننا كنا حين نجالس بعضنا بعض، كان حين يذكر أحدنا ما فعله في المناسك يقفظ احدهم وكأنه يود أن يغيظك او يصر علي اظهار جهلك، فأن قلت مثلا لاحدهم اتيت قبل قليل من طواف القدوم سارع بالرد عليك أنا لم اقم بهذا وحسب بل أكملت بعد الطواف السعي في يوم واحد لماذا لم تفعل ذلك مثلي؟؟ فهل ياترا نحن شعب ينفر من التوحد والجماعة؟ أفليس من الطبيعي انك ان كنت في بلد جديد أوكنت مطالب بفعل اشياء لاتعلمها جيدا، ان تميل نحو الاخرين طلب المساعده أم اننا مكابرين ونعتقد بعلمنا بكل شئ؟ ذكرني هذا بقول احد الاصدقاء..

- الشعب السوداني كله دكاتره...

وبعد رحلة ليلية طويلة وصلنا مكة وبصعوبة بالغة استطاع الواحد منا فرد ساقية المتشابكتين وركبتيه اليابستين من جراء المقاعد الضيقة.
ومرة اخري هرج ومرج واصوات مرتفعة وايادي تجرجر الحقائب الثقيلة، فالكل يتصرف كيفما يريد.
ولايمكن وصف ذلك سوي بانه ضعف تنظيم واداري من مسؤلين البعثه وفوضي من قبل اناس ثقافة الروية والتنظيم عندهم غائبة. ولكن دعونا نقدم حسن النيه فهذه هي مكة ارض الحرم والبيت العتيق فالكل يسارع للصلاة فيه فهي تعدل مائة الف صلاة. ولكن هل هذا يكفي لتبرير غياب النظام والتنظيم؟.

الي مني

في اليوم الثامن من ذي الحجة يتوجه الحجيج من مكة الي مني ليبيت ليلته تلك ويغادر صباح اليوم التالي الي عرفات، وما ادراك ما مني فرحلة مني يوم عصيب اختلط فيه الحابل بالنابل، لاتنظيم ولاترتيب ففوج هذا في حافلة ذاك، وليت الامر سلم بل ان الصراع اصبح جهارا نهارا بين الامراء فنحن نراهم يتعاركون ويتجادلون في امور مثل انا استقدمت الحافلة فكيف تدع مجموعتك تركبها واشياء من هذا القبيل وحين يعرف السبب يبطل العجب اكتشافنا ان الحافلات المؤجرة لاتكفي لعدد الحجاج وان علينا الانتظار حتي تذهب وتعود أدراجها في حركة مرور شبه متوقفة من كثرة الزحام، وهنا نسي الجميع ان لارفث ولافسوق ولاجدال في الحج، وكان اول سؤوال اين اموالنا التي اخذت منا كيف لاتستطيعون أستاجار عدد كافي من الحافلات؟ وبالطبع لا أجابة. والي مني داخل الحافلات او علي سطحها او مشيا علي الاقدام او باستاجار سيارات خاصة وصلنا الي معسكرات مني حيث انفجرت القنبلة وبدا واضحا ان الحجيج في واد والبعثة في وادي اخر.

وأغلب الظن اننا كنا في اخر حافلة توجهت من مكة الي مني لاننا حين دخلنا المعسكر رقم 111 قطاع الخرطوم (ب) كانت الخيام ممتلئة عن اخرها، ولحسن الحظ كان هناك جسر يمر داخل المعسكر ففترشنا الارض من تحته وغرقنا في نوم عميق من شده الارهاق حتي استيقظنا علي صوت اذان الصبح لنجد الحجيج داخل المعسكر متجمعين ينتظر كل منهم دوره ليقضي حاجته او يتوضئ، وكان من الواضح انه ان فعلت ذلك فلن تقضي حاجتك ولن تتوضئ. فبدا الناس بالتصرف فجماعات اثرت الانتظار واخري توضئت بماء حفاظات المياه المنتشرة بين الممرات فغرق المعسكر، وثالثة خرجت خارج حدوده بحثا عن حل. وبعد الفراغ من الصلاة بدات معركة الشاي والافطار، في كافتيريا تقدم اسوء طعام يمكن ان يقدم ، طلب عدس محروق، او مكرونة ذابت حتي تحولت الي شئ اقرب للعصيدة اوطلب فول بخمسة لريالات سعودية عادي جدا ان يقدم لك دون زيت.وهذه ليست مشكلة في نظر البعض فنحن هنا لسنا لناكل. ولكن المشكلة في ان يكون المعسكر غير منضبط فلقد وصل العدد المقيم فيه درجة لاتطاق ، تحول علي اثر ذلك الي مزبلة حقيقية بل انها اهانه للحاج السوداني ، وما يحدث للمواطن السوداني قد يكون أكثر من ذلك في بلده ولكن ما كان يتهامس به الناس هو ان اموالنا اين ذهبت هذا السؤال الذي يحتاج الي اجابة واضحة وشافية من قبل المسؤلين، فانا لا أدري كيف يقال هذا الكلام لمسؤل ويظل ساكنا أنها سمعه أيها السادة وهذا الصمت الرسمي لايفعل شئ غير تأكيد الاشاعات.
والتبرير الذي تم اشاعته داخل المعسكر ان الزحام نتج بسبب حجاج الداخل، ونحن نقول لا باس في ذلك فكلنا سودانيين (والنفوس اذا تطايبت العنقريب بشيل ميه).. ما شي الكلام، ولكن كيف تبرر البعثة السودانية جيشها من الامراء وحراس البوابات المدفوعي الاجر بالطبع الذين يقفون عليها ويحدث ذلك اليس عذا دليل ضعف علي التنظيم. وليس هذا وحسب بل ان الضعف والاهمال وصل درجة من الانحطات تمثل في التعامل مع التائهين وقصصهم التي لاتنتهي. فاحدي السيدات مثلا تاه والدها المسن في عرفات وبعد يومين في معسكرات مني وبعد ان يأست من مساعدة افراد البعثة وجدت ضالتها في صحفي سعودي داخل المعسكر فحكت له قصتها وجالت به في المزبلة المسميه بالمعسكر وعندها ظهر الحرس والامراء وكأنهم اهل الكهف وقد صحو، يريدون اخراج الصحفي فألتف حوله بعض الحجيج ليشتكوأ، فما كان من افراد بعثتنا الا وقالوا للمتجمهرين ان هذه ليست وطنية ان يطلع الاخرون علي مشاكلنا، وكأن الوطنية ان يعيش الحاج السوداني أوالمواطن السوداني كالبهيمة يفعل به من اراد ما يشاء. واثناء هذه الضوضاء سالني حاج مسن ما السبب، فقلت له صحافي سعودي يسأل الناس وافراد البعثة لايريدونه ان يعرف شئ فقال لي وياله من قول (تكتمون الحق وانتم تعلمون). وفي اليوم الثاني لقيت هذه السيده وسالتها أن التقت بوالدها فأجابت بالنفي، وذكرة لي ما اقشعر له بدني حين قالت هددوني وقالوا لي (بنظمك).فماذا تقولون في ذلك؟؟
وكل هذا يمكن ان نتناساه، يمكن ان ننسي مبلغ ال 294 ريال سعودي مقابل الخدمات التي كانت غائبه بل اشدد بانها كانت كذلك فعلا ، ويمكننا ان ننسي مبلغ 300 ريال سعودي الذي دفعناه مقابل الاقامة بالمخيمات مع ان نصفنا كان في الممرات وتحت الكباري، اوما دفعناه مقابل ترحيلاتنا لان الحافلات لاتكفي أو غير ذلك الكثير، والجدير بالذكر ان الحكومة السعودية لاتتقاضي اي رسوم من الحاج أي ان الاموال ذهبت الي جهات اخر لم يتم مراقبتها بالشكل الامثل. وبالتالي يكون السؤال الاهم هنا هو كيف يتم اختيار افراد البعثة السودانية؟ وما هي المعاير والمقاييس؟؟ وهل درب هؤلاء علي التعامل مع الجمهور وقيادته؟؟ هل علموا ادارة الكوارث؟؟ هل هم علي قدر من المعرفة يتيح لهم شرح المناسك للحاج السوداني؟؟ فأنا لن انسي سؤال احد الامراء في مسجد قباة..
- نصلي كم ركعة هنا!
فمن الذي يسأل من ايتها البعثة السودانية؟؟ ولن انسي انني سالت احد الامراء لحظة مغادرتنا عرفات عن كيف يسمحون للنساء بالخروج من المعسكر قبل ان تاتي الحافلات ، فكان رده كالاتي...

- زول ما داير يقعد في المعسكر نربطو..

فبماذا يرد علي مثل هذا كلام. وليس هذا وحسب بل ان بعض الاحاديث كانت تدور حول سفر بعض الامراء قبل افواجهم. ومهما قيق ومهما حدث فهي دعوة للبعثة السودانية لاعادة النظر في كيفية تطوير ادائها، فخدمة حجاج بيت اللة شرف لايدانيه شرف

تعليقات

المشاركات الشائعة