مشاهدات من رحلة الحج-2




في المدينة اول بوادر التوتر





الحج ركن من اركان الاسلام التي لابد للمسلم الاتيان بها ، ومن رحمة الله بعباده فان هذا الركن بالذات مربوط بالاستطاعة لقوله عز وجل لمن استطاع اليه سبيلا.
واول ما يتبادر للذهن عند الحديث عن الاستطاعة هو القدرة المالية، فما من شئ يمكنك القيام به في هذا العصر دون مال وفي اعتقادي ان حصر الاستطاعة في أذهاننا عند الجانب المادي فقط دون سواه من استطاعات اخري جسمانية ومعنوية وما شابه وتعاظم هذا الجانب ، هو ما يفسر سلوك كل من البعثات السودانية للحج والحجيج السوداني كل تجاه الاخر، ويوضح بنية العلاقة بينهما من جانب اخر.
وفي مقال سابق عن هذه الرحلة ذكرنا ان النوايا دائما ماتكون محل شكوك بين ماهو رسمي وما هوشعبي عندنا من شدة فقدان الاول للمصداقية في نظرالثاني. لذلك فأن العلاقة في رحلة الحج منذ البداية تكون مشوبة بنوع من الترقب والحذر بين الرسمي الممثل في بعثة الحج السودانية الجانب الذي اخذ الملايين النقدية كقيمة لترتيب الرحلة والوقوف علي خدمة الحجيج، والشعبي متمثلا في الحجيج نفسه الجانب الذي دفع هذه الملايين وينتظر بموجبها مقابل مقنع ومرضي. وذكرنا ايضا ان اول من يفتتح هذه العلاقة المشوبة بالترقب والحذر هو ناقلنا الوطني سودانيير، ولكن واحقاقا للحق ان الامر منذ البداية كان متفجرا، فالحجيج يتعامل مع افراد البعثة بخلفية منقولة من حجاج سابقين مفادها ان اخرعهدهم بأفراد البعثة سيكون في مطار الخرطوم، وبعدها لن تجد لهم اثرا وأن وجد فلا تأمل فيهم كثرا.
ولترسيخ هذه الصورة في اذهاننا لم نحتاج الي اكثر من القشة التي يمكنها أن تقسم ظهر البعير، فقليل من الدربكة في المواعيد والتي وصفناها في مقالنا السابق في مطار الخرطوم، تأكد للحجيج ان مايقال عن عدم التنسيق والضعف في اداء بعثات الحج السودانية حقيقا واقعة وما بعثتنا الا واحدة منها. ولكن وحتي تلك اللحظة كانت المشاعر الجياشة والتوق الشديد للوصول الي مدينة الرسول (صلعم) وجهتنا الاولي كفيلة بأزاحة كل الشكوك والمكدرات جانبا حتي ان بعض المتطوعين قاموا فعلا بعمل بعض امراء الافواج تيسيرا للامر ومحاوله منهم للاسراع به. رغم ان العيون كانت تنظر لافراد البعثة في ستراتهم الملونة والتي كانت تبين امارتهم والقطاعات التي يشرفون عليها بشئ من الشك.

في المدينة

وفي المدينة نور خفي لاتعرف مصدرة ولا تذوق حلاوته الا اذا مازرتها ولما لا؟ فأنت في حضرة الرسول (صلعم) وهذا يكفي لتهدأ اساريرك ويصفي ذهنك وتتسامي روحك في هذه الحضرة صاعدة اعلي درجات التجلي ، فالتوتر خف والترقب والتوجس انذوي جانبا رغم بوادر انفراط العقد وأحتمالات اتساع جانبي الوادي الذي يفصل بين البعثة والحجيج الذي كما ذكرنا يتعامل مع البعثة بخلفية مسبقة.وهنا اتسائل هل ياترا تمتلك الجهات القائمة علي انشاء بعثات الحج السودانية اجهزة تأهل افراد البعثات علي التعامل مع الحجيج وتشرح لهم اشياء دقيقة مثل خلفياتنا تجاههم التي تم شحننا بها من قبل حجاج سابقين خاضوا التجربة مع بعثات سابقة ليعملوا علي محوها ام ان الامر مجرد ايجاد افراد ليسوقوا قطعانا من البشر اكرمكم اللة، ام انني شديد المثالية بسؤالي هذا؟
ونعود لما ابتدأناه فاقول ، حين صعدنا الحافلة ونحن في مطار المدينة المنورة اطل علينا احد المسؤولين مرددا علي مسامعنا عبارات التهنئة بسلامة الوصول ومبشرا باننا سوف نكون نزلاء في مكان فخم وممتاز اهم ما يميزه قربه من الحرم النبوي الشريف حيث سنقيم في المدينة خمسة ايام. وعندها صاح ذوي الخبرة ممن سبق له الحج، وممن فتح اللة عليهم بشئ من العلم ،انه يجب ان نقيم في المدينة ثمانية ايام وهي التي تعادل اربعين صلاة تعتق من النار وهنا اختفي المسؤول وكأن الارض ابتلعته تاركا الناس في هرج ومرج ونقاش داخل الحافلة، ولكن ومرة أخري يطغي نور المدينة فتهداء الاسارير وتغوص الحافلة في سكون عميق.

وعندما وصلنا بوابات الفندق الكبير والجميل حقا كما ذكر المسؤول المختفي حدث الهرج ومرج مرة اخري بمجرد ان ترجلنا من الحافلات، فترانا حلقات تموج في بعضها بعضا حجاج وامراء يحاول كل منا ان يسجل مجموعة من الحجيج الذين يعرفهم ليقاسمهم الحجرات، اوليطمئن من برفقته مسنين اونساء بأنهم وجدوا لهم اماكن في الفندق ، وهنا كان من الواضح ان هناك مشكلة تنظيمية ستحدث اوهي بالفعل قد حدثت. واللوم لايقع علي البعثة السودانية بقدر ما يقع علينا كشعب يفتقد كثيرا لثقافة التنظيم وتغيب عنه ثقافة واداب الطابور، ولكن ومن جانب اخر يمكن ان يرجع الامر ويفسر بالعلاقة المتوترة وعدم الثقة بين الرسمي والشعبي الذي ذكرناه سابقا. ولكن ومرة أخري سرعان ما تنتهي هذه الزوبعة ويتدخل الشوق لزيارة نبينا لتندفع الحشود نحو الحرم النبوي الشريف. وكي لانبخس الناس اشيائهم ذكر لنا بعض من سبق لهم الحج ان هذه هي المرة الاولي التي ينزل فيها الحجيج السوداني في بنايات جديدة فخمة ومجهزة واكثر ما يميزها قربها الشديد من الحرم.

تعليقات

المشاركات الشائعة