دارفور الحقيقة التي لايتحدثون عنها.



قبل اكثر من عام عاد صديق لي من الجنينة بعد عمله كطبيب في منظمة اطباء بلا حدود، واكثر ما لفت انتباهي من حديثة عن تلك التجربة ارجاعه لكل لما يحدث الي عامل الجوع، وكأني كنت انتظر سماع هذا، فكل المشاكل السودانية في اعتقادي راجعة لعامل الاقتصاد، الذي تطور ليأخذ مناحي واشكال عرقية وسياسية ودينية.ودليلنا علي هذا التعايش السلمي الذي استمر بين اهل السودان علي اختلافاتهم لمئات السنين، حيث لم تظهر الاشكالات الحالية الابعد الانتقال الخاطئ من اقتصاديات الاكتفاء الذاتي التقليدية الي الاقتصاد الحديث ان صح التعبير والذي قام به المستعمر وسارت الحكومات السودانية الواحدة بعد الاخري مقتفة اثر هذا المستعمر بل زادت الامر سوء.
وان كانت المشكلة الجنوبية اكثر تميزا في جانبها العرقي والثقافي والديني، اضف اليها تأخر الاندماج بين الاقليم الجنوبي وبقية السودان بسبب وعورة البيئة من جانب وسياسة المناطق المغلقة الاستعمارية من جانب اخر، فأنها في التحليل الاخير ايضا تبدا وتنتهي من الاقتصاد وعنده.
وهذا الذي قلناه ليس بجديد، او الغير معلوم ولكنه الجانب المغيب رغم معرفة الكل لمدي اهميته، لذلك حين نسأل كيف عاشت هذه القبائل في دارفور والتي تقدر بأكثر من مائة قبيلة كل هذه السنين في امان وتعايش لايجد الذي يحاولون اخفاء الاسباب الحقيقية اجابة لذلك. الاجابة المنطقية الوحيدة يمكننا معرفتها حين نتخيل قصعة طعام وضعت امام اناس ليأكلوا منها وذات صباح اكتشفوا ان الطعام لايكفيهم، فنشب التنافس ومن ثم الصراع حول القليل المتبقي والا الموت جوعا. فهذا بالضبط ما حدث في دارفور، ومن التقارير الدولية يمكننا ايضا معرفة ذلك.
فعرب دارفور في الاصل رعاة، وافارقتها مزارعين، وتبادل المنافع والادوار لمئات السنين تمثل في دخول قطعان الرعاة للاراضي الزراعية للرعي وتخصيب الارض ثم الخروج منها موسم الامطار ليزرعها المزارعون، وعندما تنشب خلافات يقوم زعماء القبائل بحلها بكل سهولة، وهذا كل شئ يا سادة. ولكن حين ننمي اليات اقتصاد معيبة، واهمال لكل تطوير ممكن من قبل المركز تكون النتيجة جفاف وتصحر ونضوب للموارد ومجاعات ومن ثم صراع واقتتال ، وحينها تصبح امكانية الحل بواسطة زعماء القبائل غير ممكنة وعندها ايضا وتحت الجوع والمرض والتخلف ، وتدفق السلاح من الجوار واطماع قوي استعمارية غاشمة يكون صوت العرق والاختلافات الثقافية والاثنية اعلي الاصوات.ولنأكد علي هذه الحقيقة المعروفة للجميع نستشهد بتقرير للاممة المتحدة معد بواسطة برنامج البيئة التابع لها، ان التصحر في السودان ينتشر بمعدل 100 كيلومتر سنويا في الاربعين عاما الاخيرة، كما ان السودان خسر 12% من غاباتة في الخمسة عشر عاما الاخيرة فقط، فماذا نتوقع ان يحدث في اقليم كدارفور وصل منذ ثمانينات القرن الماضي حد المجاعة نتيجة هذا القحط والاهمال.
ما نريد ان نقولة الان ان الخلاف العرقي والاثني وتقاسم السلطة وما الي ذلك ليست من الاسباب الحقيقة للازمة بل الاقتصاد والتوجية الصحيح للثروة، وأكاد اجزم ان الاتفاقات التي ابرمت والتي يأمل الجميع ان تبرم في المستقبل هي مجرد مسكنات ما لم ننظر بعين الجدية للاسباب الحقيقية ، فالاعترافات الثنائية ودخول هذا في حكومة ذاك ومنصب نائب الرئيس لاتطعم الجوعي وتشفي المرضي وما يحدث الان في الجنوب بعد نيفاشا خير مثال. وهذا ما سوف نتطرق الية لاحقا، للتاكيد علي ان الاقتصاد هو الازمة والحل لهذا البلد. والحقيقة التي يجب ان نعترف بها هي اننا جوعنا الشعب السوداني حتي بات ياكل بعضه بعضا.

تعليقات

المشاركات الشائعة