من أين ستأكلون ايها النائمون؟؟

مواسم القمح ضعيفة والذرة تحولت لوقود سيارات






من كثرة ترديدنا اصبح من الممل جدا الحديث عن امكانيات السودان الزراعية وثرواته الحيوانية ومصادره المتنوعة من المياه، فكل هذا معروف للقاصي والداني. والاشد مللا الاصرار علي ألصاق القاب من قبل سلة غذاء العالم والقدح الكبيروماشابه باسم بلدنا المسكين هذا ونحن نعرف جيدا ان الحقيقة ليست كذلك تماما. واذكر جيدا حين كنا فخورين ونحن في المدارس بهذا الوطن الخصب، واذكر كذلك مدي الصدمة التي تحولت لضحك هستيري عندما اكتشفنا ان جزء مما كان اساتذة الجغرافيا يرددونه كان لا يعمل، مثل مشاريع زراعية كثيرة او تلك الصناعات المعتمدة علي الزراعة والحيوان مثل مصنع تجفيف اللبن في بابانوسة اوتعليب الفاكة في كريمة اوتجفيف البصل لا ادري اين. أما الان فالصدمة ومن ثم الضحك تحولي الي حسرة ممزوجة بكثير من الخوف والرعب من المستقبل لان كل شئ توقف في الداخل وبدأ يتوقف في الخارج الذي نعتمد عليه.

حديث ممل لماذا الخوض فيه؟؟

وعندما تتحدث الي الناس عن شئ يعرفونه يكون الحديث ممل، ويصبح مؤلم عندما يذكرهم بواقعهم القابع في الحضيد، هذا بالضبط مايحدث عندما نتكلم عن الزراعة في السودان.الا ان الامر اصبح يحتم علينا اعادة فتح هذا الملف وبقوة من جديد، حين نطالع الجدل العالمي الدائر الان حول الاحتباس الحراري وما يتمخض عنه من نقاشات تدور حول الطاقة وبدائلها لما يربطهما من علاقات متشابكة منها البيئي والاقتصادي والسياسي. وبالتالي تكون المرارة مرارة الدواء الذي لابد من تجرعة ليتم الشفاء.

الاحتباس الحراري وامننا الغذائي

الشئ الذي نعرفه جميعا انه ومنذ عقود دخل الغذاء عنصرا فعالا في السياسة العالمية، وكمثال ما كان يسمي بسلاح القمح. ونتيجة فساد حكومات العالم الثالث والعمل الدئوب للحكومات الاستعمارية لتدمير اي بارقة استقلال غذائي حقيقي كجزء من سعيها للهيمنة، تحولت الدول الفقيرة والسودان منها الي دول تقتاد من الخارج دول غير قادرة علي اطعام شعوبها وبالتالي فأن اي حديث فيها عن استقلال القرار يكون شئ اقرب الي التهريج، وهذا بالطبع كان خصما علي عمليات بناء البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، بتبديد اموال طائلة لشراء وتأمين الغذاء. وكل هذا حتي الان قد يكون غير ذي اهمية خاصة لدول العالم الثالث القادرة علي الشراء مثل الدول البترولية. الا أن الامر الان بات يأخذ منحي اخر، لايهددنا وحسب بل الانسانية جمعاء من نقص حاد في الغذاء نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري، وتاثيراتها التي اصبحت ظاهرة للعيان. والتي تجلت أكثر في ظواهر مثل الاعاصير المدمرة والسيول والفيضانات العنيفة، وهطول الامطار في مناطق كانت تعرف بجفافها، وجفاف اخري كانت تشتهر بمياهها وامطارها وخصبها، كل هذا قاد الي تدني كبير في انتاجيات محاصيل استراتيجية من اشهرها القمح.
فالمحصول الاسترالي مثلا يعاني في السنوات الاخيرة من تدني متزايد جراء هذا، وما الاعلان الكندي الاخيرعن ان الانخفاض في انتاجيتها من القمح لهذا الموسم قد تتجاوز العشرين بالمائة كدليل اخر. لذلك لانستغرب ان تصل اسعر الغلال وخاصة القمح عالميا اسعارا قياسية لم تصلها من قبل.
ومن كل ذلك يمكننا ان نقول وبكل ثقه، ان المصادر الخارجية لغذائنا والتي ربطنا انفسنا بها بسبب قصر نظر البعض وبخيانة البعض الاخر وعمالته، وكأستسلام طوعي وغير مشروط لسياسات الهيمنة الاستعمارية بتدمير الزراعة عندنا، باتت يوما بعد اخرهذه المصادر غير قادرة علي تلبية حاجاتنا للغذاء، وحتي تتوقف تماما عن امدادنا ستكون قد استنزفت كل مواردنا المالية، ويمكننا حينها ان نتخيل نتيجة ذلك علي الاقتصاد القومي والعالمي ككل. وبعد هذا الا يكون من المطقي فتح ملف الزراعة من جديد؟؟.

البحث عن الطاقة يفتح ملفات الزراعة

لم يتوقف البحث عن بدائل للطاقة منذ فجر التاريخ الا أن الفترة التي نعيش جعلت هذا الامر اكثر الحاحا من اي زمن مضي. مضاف اليه عامل جديد لم يعرفه التاريخ من قبل الا وهو العامل البيئي كدافع جديد للبحث خاصة بعد ان ثبت بالدليل القاطع بأن البترول والطاقة النووية مصادر طاقة غير متجدده تقود الانسانية بسرعة نحو الفناء ولربما قبل نفاذها، خاصة بعد الظواهر المدمرة للاحتباس الحراري الناتج من القطع الهمجي للغابات والاستخدام المسرف للبترول، وبعد حوادث نووية معلنه مثل تشيرنوبل واخري غير معلنه تهدد العالم في الخفاء.
ولموضوع البحث عن مصادر طاقة جديدة علاقة قوية بملف الزراعة، خاصة وبعد ان تبؤ الايثانول مكانة مرموقة كواحد من بدائل الطاقة لابل تحول للانتاج الفعلي وكذلك الاستخدام. والجدير بالذكر هنا انه ينتج من تخمير الغلال والمخلفات الزراعية والغابية وبكميات اصبحت ذات اثر واضح علي اسعار الغلال عالميا، فكميات ضخمة تحولت الي ايثانول يضخ الان في الماكينات كوقود، مما خلق نوعا من الشح قاد الي رفع الاسعار.
وهنا الايمكننا ان نقول ان الزراعة بالفعل هي امل السودان المستقبلي وليس البترول ولا اي شئ اخر؟؟ فلقد تجاوزت حدود النشاط الذي يوفر لنا الامن الغذائي الي مصدر للطاقة المتجددة في المستقبل القريب، وهنا نريد ان نشير الي ان الولايات المتحدة الامريكية اصبحت تنظر الي موضوع بدائل الطاقة وخاصة الايثانول الي امر استراتيجي للافلات من سيطرة الدول البترولية، فلاغرو بالتالي ان يقود مشروع ابدال البترول بالايثانول الرئيس بوش نفسه ويتابع التنفيذ علي مكاتب الامن القومي الامريكي. وجدير بالذكر انه ومنذ بداية هذا العام وحتي الشهر المنصرم وصل انتاج الايثانول كوقود الي اكثر من 6 مليارات جالون في الاريكا وحدها، وفي البرازيل الي اكثر من 4 مليارات جالون وهي التي اصبحت تستهلك كميات اكبر من البنجر والقصب في انتاج الايثانول وليس السكر
.

تعليقات

المشاركات الشائعة