دليل اخر علي الفساد - الطرق في السودان مهزلة هندسية فريدة




نكته اولي

في احدي الدورات التدريبية عن اسس الادارة، تحدث المحاضر وكان من الشقيقة مصر، عن دور واهمية الرقابة في العملية الادارية.
ثم سأل المشاركين ليضربوا امثله عن طرق الرقابة الادارية في شركاتهم وفاعليتها، فقفذ احدهم، وعرف نفسه بانه من شركة طرق وجسور رائده، وتفاخر بانجازهم لاحدي الطرق السريعة في الخرطوم (يعتبر هذا الطريق الان اردئ طريق في تاريخ هندسة الطرق)، وتحدث عن كيف انهم طلبوا مراقب دائما ليشرف علي التنفيذ من الالف الي الياء. وليؤكد فعالية الرقابة راح يقص كيف ان المراقب متواجد في موقع العمل ليل نهار يأكل معهم ويشرب، ينام معهم ويصحوا، حتي بات فردا منهم وصديقا لهم.. وهنا بادره المحاضر قائلا بلهجة مصرية ساخرة...

- بيكل ويشرب معاكم .. طيب بيراقب ايه دا يا عم !!

الشئ الذي لايستطيع احد أنكاره هو ثورة سفلتة الطرق التي اجتاحت الخرطوم وقد يكون السودان ككل. فنحن دولة بترولية وذات رسالة. والطرق المعبدة واحدة من البنيات التحتيه الاساسية للعصرنة والتقدم. وهي احدي المنارات التي تظهر العاصمة السودانية بمظهر حضاري خلاب، والمظهر أو(البوبار) كما نقول بالعامية عندنا شئ مهم يعني. وحتي لانكون في خانة المعارضين من اجل المعارضة والناقدين من اجل النقد والناقمين علي اي شئ حتي انفسهم، نثمن منذ البداية ثورة الطرق هذه. ولكن وفي نفس الوقت وحتي لايكون الامر مجرد مظاهر و (بوبار) من شاكلة نحن فعلنا ونحن انجزنا، ومسؤول من هنا وأخر من هناك يتقافزون في التلفاز او المحطاط الاذاعية، يجب ان نسجل عدد من النقاط والملاحظات عن هذه البنيات التحتية المنشأة مؤخرا، فلم نعد نحتمل أي نوع من الاستهتار بعقولنا اوتبديد لثرواتنا هكذا هبائا منثورا ولان الشعب السوداني اصبح غير قادر بل اكتفي من دفع ثمن اخطاء المختطين والمنفذين والمراقبين في عمليات صيانة لاتنتهي او في مشاريع لاتخدم الحاجة الفعلية.

ملاحظة اولي

لايهم ان تكون طبيبا لتلاحظ ان الوصفة الطبية غير فعالة، اوموسيقيا لتعرف ان اللحن نشاذ، اونجارا لتدرك ان الخشب ردئ. ولو وضع المسؤولين هذه الحقيقة نصب اعينهم لاحترمونا ولجودوا العمل. وكذلك ليس مهما ان تكون مهندسا لتعرف ان الطرق المسفلتة في السودان تعاني من ضعف التخطيط والتنفيذ ، او لربما اكثر فنقول سوء، أو قد يكون اعمق من ذلك فدعنا نقول اذن انعدام التخطيط وردائة التنفيذ ، وبالتالي النتيجة صفر فلا يغرنكم ما ترون.
والدليل علي ذلك ما يراه الناس ويتندرون به بل يضحكون منه حتي تظهر نواجزهم ، في طرق حديثة تعبد سرعان ما تتهشم وتغطيها الحفر والمطبات كأنها قطع من بسكويت، أو من اقل الامطار نكتشف ان لا تصريف وعندما تجف المياه لانجد للاسفلت وجود. او حين يتندرون علي اخري بعد ان عبدت وراح ضباط وجنود الشرطة يختالون فيها اذا بها تحفر من جديد لاقامة اشارة مرور او علامة اوما شابه.
والطريف ان هناك طرق انشأت تتوسطها فتحات لبالوعات لا أدري الي اين تقود والاكثر طرافه انك اذا ما مررت بها بعد فتره ستجدها قد تحركت من اماكنها وكأن الطريق مقام علي عجين، وان اتيت مرة اخري ستجد ان اغطية هذه الفتحات تكسرت واختفت مخلفة ورائها فوهت قاتله لا تراها اعين السائقين. ألم يكن يعرف مهندسو الطرق اذا كان هناك مهندسين ان اساساتهم ضعيفة؟ الم يعرفوا ان هذه الاغطيه من الوهن بحيث انها لاتتحمل وزن السيارات المارة من فوقها؟ اذن اي هندسة هذه واي تخطيط واي رقابه، أم ان الحديث ككل مجرد بوبار. نحن سفلتنا ونحن انشأنا!!

ملاحظة ثانية

جاهدا احاول ان اقنع نفسي ان لكل مشروع اوعمل بشري نواقصه، والنقص هو السببب الوحيد والمبرر الاوحد لاي تطور، فالانسانية كلها تسعي وراء الكمال.
الا ان ما اراه عندنا وعلي طرقاتنا كمثال، يؤكد ان هناك اشياء لا يمكن ان توصف سوي بانها قصور عام في الفهم والكفاءة لذلك ياتي التخطيط هزيلا والتنفيذ ضعيفا والمراقبة تغيب. او ان الامر ما هو الا استغفال في استغفال.
فخذ مثلا الجسر الطائر الجديد في منطقة عمر المختار (كوبر سابقا) مشروع صغير مثله يتجاوز عمر انشائه عامين، فلا الزمن ولا حجم المشروع يتماشيان، اليس هذا دليلا علي قصور التختيط والتنفيذ والمراقبة؟ وحتي بعد كل هذه الفترة يفور مطلع الجسر الشمالي ويتحول الاسفلت الي عجين ومن لايصدقني علية بزيارة الجسر، ثم ان منتصف الجسر ذاته رصف ثم حفر من جديد ولا ادري لماذا!! ثم رصف مرة اخري، ولازالت اثر هذه المهزله باقية كندوب وكدمات ظاهره علي الجسر. وكل هذا ليس بالجديد فنحن تعودنا علي دوامة هدم – انشاء – هدم .ولكن الملفت هو اننا اكتشفنا ان الجسر لم يفك الاختناق عند مدخل كبري القوات المسلحة الشمالي بل ضاعفه!!

ملاحظة ثالثة

تسبق عمليات تعبيد الطرق ، مراحل من الردميات طبقات من فوقها طبقات، ثم رش للمياه ثم ضغط وهكذا حتي تحصل علي اساس متين ومن ثم تأتي طبقة الاسفلت، هل هذا صحيح يا اهل هندسة الطرق؟ ثم اليس من البديهي غلق مواقع العمل حتي الانتهاء منه، اليس هذا صحيحا يا اهل الاشراف والتنفيذ والسلامة العامة والمهنية؟؟
فأن كان ذلك كذلك، فأنه لايحدث عندنا البته. وهذا ما عايشته بكل تفاصيله، عندما كان شارع الاسفلت حلما يراودنا، فصحونا ذات صباح لنجد اكوام من الردميات، التي ظلت امدا ثم سويت بالارض، وهنا تماما بتنا نلعن اليوم الذي حلمنا فيه بهذا الطريق المعبد. فالردميات تركت لزمن طويل مرتع خصب للركشات والحافلات والسائقين غير المسؤولين، والشباب الطائش مخلفين ورائهم جبال من الغبار غطت كل شئ وتسربت الي حناجرنا ورئاتنا.
والسؤال هنا اليست الردميات المتطايرة خصما علي قوة ومتانة وسمك اساسات الطريق، اذن فلماذا نندهش اذا اتي الطريق هش خائر القوي تحت اخف السيارات.

ملاحظة رابعة

من كثرة ما اذهب واجئ من مدينة بحري عابرا كبري القوات المسلحة الي الخرطوم يوميا، حفظت التفاصيل الدقيقة لهذا الطريق عن ظهر قلب، حتي رجال شرطة المرور حفظت وجوههم. الا ان اهم خلاصة هي ان الاشياء تظل كما هي حينما لاتحدد المسؤوليات، ويكون منطق تفرق دمه بين القبائل هو السائد.
اقول هذا من كثرة الفتحات في السياج الواقي او درابزين الجسر، فتحات كفيله بتمرير سياره ناهيك عن انسان او حيوان فمن المسؤول عن هذا الاهمال المنقطع النظير؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة