هل من المسموح تحول المساجد لأبواق سياسية؟



في كتابه قصتي مع الحركة الإسلامية يقول د.حسن مكي (فالمسجد هو بيت الأمة وكيف كان حال المسجد كان حال ألامه، ولا جدوى من تغيير أو ثورة ثقافية لا ترتكز علي المسجد. وفي أحد كتبه إن لم تخني الذاكرة تناول الكاتب الليبي الصادق النيهوم الجامع ودورة التاريخي الذي قام به عبر العصور ودوره المناط به في المستقبل وكل هذا جيد ولكن تطرح أزمة المسجد الأحمر في الباكستان الموضوع من جديد للنقاش وهي الأزمة التي قادت إلي مقتل العشرات واختلال الأمن هناك حتى ألان. هذه الأزمة التي مرت مرور الكرام ولم يتعدي الأمر سوي الحديث عن قوات حكومية قضت علي معارضين لها يتحصنون بمسجد ما.

ولكن يبقي التساؤل الأهم والذي يجب اثارته ألان وبعد هذه الأحداث الدامية ونضيف إليها حوادث الهجمات علي المساجد في العراق بناء علي مرجعيات مذهبية وطائفية وسياسية ، فنقول ما هو دور المساجد ودور العبادة الاخري في الحياة العامة؟.
وللوهلة الأولي قد يبدو التساؤل ليس في موضعه بل مستهجننا من قبل كثيرين، فلدور العبادة الحق بالتدخل في كل مناحي الحياة وإلا أصبحت جزرا منعزلة عن المجتمع، وهذا صحيح ولكن هذا بدورة يثير تساؤل أخر هو وماذا عن السياسة؟ وهنا بالتحديد سنصبح وجها لوجه لمعضلة الخط الفاصل بين السياسة والدين، بين العبادة والميول الفكرية السياسية.
وحين نقول إن لدور العبادة الحق بالتدخل في كل مناحي الحياة فهذا لايعني بحال أن تتحول إلي دور تنطق باسم هذا الحزب أو تلك الجماعة، فالمسجد نفسه مجرد مبني لاينطق و لا يتحدث ، بل ينطق القائمين عليه ويتحدثون، وهؤلاء أنفسهم جزء من المجتمع من الطبيعي أن يكون لهم ميلهم السياسي وقد يكون الحزبي، وبالتالي إذا ما تبني المسجد مثل هذا الدور فلا عاصم عندها من أن يتحول الي ناطق باسم هذا أو ذك، وبالتالي أيضا تنتفي عنه صفة الجامع، حيث نفهم من هذه الكلمة انه للجميع وليس حكرا علي أحد.
وهذا ما يحدث فعلا علي ارض الواقع، فمنذ الوهلة الأولي لدخولك أي مسجد يمكنك أن تعرف الي أي اتجاه يميل، وهنا لا استغرب قول د.حسن مكي وتصريحه (وإصلاح المسجد ليس المقصود منه فقط إصلاح المبني وتنظيفه..... ولكن أن يتولي المسجد القيادة) وهذا قول فضفاض حمال أوجه ولكن أن كان المعني ذو أبعاد سياسية فأن الأمر مختلف وهذا ما لم يخفيه نفس الكاتب جزاه الله خيرا لوضوحه حيث يستتبع (والأمر يحتاج الي مراجعه.... والي دفع قيادات الحركة الإسلامية وأساتذة الجامعات والعلماء لقيادة حركة المسجد) وهنا لابد أن نسأل أليست الحركة الإسلامية حركة سياسية، وبما انه لاضمان أن تنعكس الآراء السياسية علي المسجد، فأن هذا يحوله إلي مجرد بوق سياسي. ليس هذا فحسب بل أننا قد نفاجئ بآخرين يتساءلون أين هي مساجدنا التي تعكس أرائنا.
والوضع مفتوح لتخطي الفروقات المذهبية بهذه الكيفية، لآن السياسة باتت طرفا فيه، وبالتالي ماذا يكون قد تبقي للمسجد أو أي دار عبادة أخري من صفة جمع الناس علي كلمة سواء، فهي أي دور العبادة تتحول من الجمع إلي الاستقطاب السياسي البحت، من برلمان شعبي لشعبة في حزب ما. وهذا بدورة قد يفتح الأبواب علي مصراعيها للتطرف والعنف الدينيين ولما لا ونحن ننطلق من قدس الأقداس؟.
ومن كل ذلك قد ينبثق تساؤل أخر، تحتمه متطلبات العصر هو ماذا لو إنني أسست حزبا سياسيا صرفا لا يري للفروقات الدينية أو المذهبية أمرا ذو أهمية في رسالته السياسية، مثل هذا الحزب ولا شك سوف يكون من العسير أن يستخدم دور العبادة كقناة اتصال مع جماهيره والآخرين ، وقد يصور ذلك وكأنه بل هو من المؤكد كذلك استيلاء آخرين علي شئ عام. والمفارقة أن من يرفضون تسييس دور العبادة حينما يكونون في السلطة يحولونها لدور للوعظ السمج الممل، والخطب البالية ليس بدافع تنقية المساجد مما هو ليس لها بل من باب محاربة الخصوم وهم بذلك وبنفس الطريقة يحيدون بها عن الدور الأهم في هذه المرحلة الحرجة للأمة. والأمر برمته وضع غير طبيعي بسبب غياب المجتمع المدني وضعف مؤسساته، فلا حرية تكوين الأحزاب متاحة ولا الجمعيات الأهلية فعالة وكذلك نقول عن النقابات المختلفة، وبالتالي أصبحت المساجد المتنفس الوحيد للآراء والنشاط الحزبي واستقطابا ته التي وفي النهاية تقود لتعقيد المشكل الحالي لمجتمعاتنا بدلا من حله.

دعوة أخيره – خلصوا المساجد من تلابيب السياسة لتكون جوامع للناس، فللسياسة دورها الخاصة.

تعليقات

المشاركات الشائعة