جمع الصف الوطني – الي متي سنقف في صفوف؟؟



في كل حدث اوازمة أو منعطف تاريخي يحل علي بلدنا المسكين هذا. أحب دائما الاستماع الي صوت رجل الشارع العادي، أكثر من التحليلات الجوفاء للسياسيين الممليين، والمثقفاتيه ذوي القدرات الانهائية لرفع ضغط الدم في جو بلادنا القائظ هذا. وهذا العادي الذي يمشي علي الارض ويتحدي لهيب الشمس ويسجل يوميا انتصاراته علي الفول والطعميه بمواصلة تناولهما دون كلل أو ملل. والذي يحرق جوفه بلفافات تبغ رخيص حتي لم يكلف صانعيه انفسهم بكتابة نسبة النيكوتين والقطران فيه. أو يحشرفي فمه التنباك العجيب، هذا العادي هو أهم ثيرموميتر للاحداث، وأخطر كاشف لفشل وضحالة النخبة السودانية علي كافة المستويات.
وعندما وصلت الجبهة الاسلامية القومية الي سدة الحكم كنت طالبا في الصف الاول او الثاني من الثانوية العليا لا اذكر،وكأي شاب في تلك المرحلة لازال يتلمس الساحة السياسية أو بلاحري يتعرف علي من فيها من لاعبين عن قرب خاصة وان الثانويات حينها كانت لاتزال تلعب دورا فعال في الحياة السياسية وليس كالان اي ثانويات البيوت التي لا اعتقد بأنها قادرة علي لعب شئ بعد ان تحولت الي مستعمرات خاصة تعمل علي هواها. أقول حينها استهوتني الفكرة تحت نغمات المارشات العسكرية المنبعثة من الراديو، والاغاني الحماسية، وقفزات الضابط فلان بمنتهي الفتوه لفتح مخازن الغذاء للشعب الجائع، وكلمات السيد علان النارية ، ووعود فرتكان الوردية وووو، وفي خضم كل هذا وانا منتشي كشاب صغير بالعسكرية والانضباط، والتفاني من أجل الوطن وهيبة الدولة التي استرجعت تحت الزي العسكري والبوت الاسود اللامع. بعد ان ضيعتها العمامة والجلباب والبدله الافرنجي في عهد الاحزاب عهد الكلام والكلام والكلام، حتي راس السلطة لم يكن ليرسم في كاريكوتير الا وبيده ميكروفون ، وكانه صولجان الحكم ورمزة. فأذا بالوالد يرحمه اللة يقول..
- حاجة غريبة.. ما في اي فرق كأن الزمن واقف في البلد دي...

ومندفعا مسرعا.. اجبته ولن انسها أبدا..

- انت يا حاج ضد الثورة...

- أنا ضد الثورة ولكن انت ما عارف اي شئ..

ويوم بعد يوم وسنة بعد اخري اكتشفت فعلا انني لم اكن اعرف شئ، ولكن الشارع كان يعلم ، كان يعرف ان لاشئ جديد، نفس الاحداث نفس الافكار، نفس المقدمات نفس النتائج، حتي الوجوه لم تتغير، والمتغير الوحيد هو اساليب طحن الشعب المسكين.

وحكاية الصفوف هذه قديمة عندنا في السودان، ابتداء من صف الرغيف وصف البنزين وصف السكر، الي صف العطالة وصف تسول التاشيرات عند ابواب السفارات،وصف الموت في الجنوب ثم دارفور، أنتهاء بالصف الاخير الا وهو صف جمع الصف الوطني.
والحقيقة انه لشئ جميل ان يجتمع الساسة والنخبة السودانية علي جمع صفهم من اجل اخراج هذا الوطن من الركن الذي حشروه فيه، ولكن وبالظروف الحالية هذا صفهم هم وليس صف الشعب السوداني (الفضل) كما يتهكم نفس الشعب علي حاله، لان فاقد الشئ لايعطيه.والغريب ان الذين يجمعون صفهم الان، هم انفسهم خارج الصف.
قال لي أحد العاديين ، وهو المصطلح الذي احب استخدامه تفرقة بين الشارع العادي والنخبه..
- - في كم حزب اتحادي في البلد؟؟.

أدركت فورا ان العادي اما تشابه عليه البقر أو انه يتهكم علي من فوق، وهذه الاخيرة هي الارجح فالعادي ليس بساذج ولا بالمغفل، بل نحن الذين نعتقد ذلك. ومن حقه ان يتسائل ويتهكم بل بالصريح يسخر ويتندر، فتارة تخرج عليه الصحف بأن الحزب الاتحادي وقع اتفاقا مع المؤتمر الوطني، وتارة يقولون له ان هناك مباحثات في القاهرة لحل الخلافات مع الحزب الاتحادي بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني وعندما يسأل العادي يستدركون أن الاول هو الحزب الاتحادي المسجل والثاني لا ادري ماذا.
ومرة يعلنون ان حزب الامة اثنين احدهما مسجل والاخر معارض، بل ثلاثه احزاب احدههم بقيادة مبارك الفاضل، ثم يعود ليصبح مرة اخري حزبين اولربما يصبح اكثرذات صباح. والجبهة الاسلامية اصبحت كذلك حزبين وطني وشعبي، والشيوعين اثنين احدهم خرج من تحت الارض والاخر سمي نفسه بالقوي الديمقراطية الحديثة او الجديدة لا ادري ثم اختفي، والباقين لا يدرون ايسمون نفسهم بالشيوعي او يختاروا لانفسهم اسم جديد. وتنظيمات دارفور بدأت بتنظيم واحد ثم اثنين ثم ثلاثه وفي بعض الروايات وصلت الي ثماني عشر تنظيما في شئ اقرب الي الانشطار النووي المتسلسل علي شاكلة الاحزاب السودانية التي وصلت الي المائة.
وبالتالي وفي بحر التفتت السياسي السوداني أو بالاصح( الفته) السياسية السودانية يكون من حق العادي ان يتسائل عن كيف يكون حزب سياسي ما غير متحد داخليا عنصر فعال في جمح الصف الوطني؟ وكيف يجمع هذا الصف الملتوي وناس لهم كل شئ وناس يستجدون عقد ندوة عامة، والعادي لايملك اي شئ سوي حسه وبصيرته في معرفة هزلية وفشل السياسيين السودانيين.
اماني قلبية حارة لجامعي الصف الوطني في مسعاهم هذا؟
-

تعليقات

المشاركات الشائعة