اليمين واليسار والدين



في مقال سابق تحدثنا عن لماذا الميل الشعبي الان نحو اليمين وهو ما اشرنا اليه بتيارات الاسلام السياسي معتدلة كانت ام متطرفة، مقارنة بالميل نحو اليسارفي أمريكا اللاتينية التي تجاوز فيها الامر مرحلة المد الشعبي الي مرحلة الوصول الي السلطة فعليا.

وقد لاحظنا في ذلك المقال ان تأثير الخارجي علي معطيات تفكير وتنظير وسلوك كل من اليمين واليساركان له الدور الكبير والاثرالوضح مقارنة بتأثير الداخل علي اليسار الاتيني. لذلك وفي الخطاب العام كان دائما الخارج هو المقصود في صورة قوي الاستعمار والامبريالية كما يقول اليسار او قوي الكفر والتكبر كما يقول اليمين ، اما الداخل من حيث تناول مشاكلة وايجاد حلول لها باليات الاصلاح والنهوض الذاتي كانت وعلي الدوام تأتي في المراتب المتأخرة لاولويات اليسار واليمين علي حد سواء، وهذا ماقد يفسر سلوك التعسف والحجر وقهر كل طرف للاخر، وفشل ارساء مفهوم واضح للحرية والديمقراطية، لان كل طرف يري في الاخر عميلا للخارج، ولذلك ايضا اصبح التعامل مع الثوابت العامة والمشتركة بين الجميع محكوم بنفس طرق التفكير اي الوقوع الدائم رهينة لتأثير الخارج.

اليسار والدين

وبما انني افضل دائما سماع صوت رجل الشارع العادي وهو يعلق علي مايجري امامه علي بساطة ما يقول وثراء ارائه لاستقراء الحقائق علي الارض. اقول عندما نستجلي صورة اليساري علي الارض اي في ذهنية رجل الشارع، نجدها كانت دائما صورة الولد العاق المستهزء بالدين ومعتقدات الاباء، والذي يحاول تدميرها.
هذه الصورة دعمها اليمين بصراخة المستمر صباح مساء لنجدة الدين والعقيدة من هؤلاء وكما يقول المثل الشعبي (العيار الذي لايصيب يدوش) وكذلك اليسار بسلوكة العام ولغته الغير مفهومة في خطابة الموجه للشارع.
أن استخدام لغة غير مفهومة يوحي وكأن صاحب الخطاب يبطن نوايا سيئه تجاه المخاطب، وهذا ما نلاحظه في حياتنا اليومية اوليس اول ما نقوله محذرين اذا ما وجدنا انفسنا قبالة اشخاص يتحدثون الينا بكلام لانفهمه (باللة اتكلمولينا عربي)؟.اوليس من الغريب ان يتحدث اليسار عن الحرية والعدل الاجتماعي من تقاسم للسلطة والثروة وعن مجانية التعليم والصحة


ولايستجيب له احد مع ان السواد الاعظم من الشارع العام يعيش تحت خط الفقر؟! فهذا ما نسميه الحديث بلغة غير مفهومة.
حكت لي ذات مرة سيدة فاضلة تنتمي الي هذا التياران فتاة كانت تعمل عندها في غسل وكي الملابس سألتها قائلة- انت يا استاذة الشيوعيين ديل كفار.
فما كان من استاذتنا الا واجابت
- الشيوعيين ديل مادايرنك تقعدي القعدة دي.
انا افهم بالطبع مغزا الاجابة ولكن كيف تعي هذه المسكينه هذا الكلام والذي هو في الاصل قد يصب في مصلحتها؟.
وقد يقول قائل وما هي اللغة التي تريد من اليسار، وهنا تكمن الاجابة ببساطة، في انه اذا اردت ان يقبلك الناس ويسمعوك فلابد من ان تقبلهم انت اولا. ان النفور اليساري من الدين الشئ الذي يستشعرة رجل الشارع بعمق، قاد الي فصل اليسار عن القواعد الجماهيرية، ويجب التنويه هنا الي ان هذا النفور ليس بسبب العداء للدين كغاية اساسية لليسار بل هو نتاج التضخم والاسراف في كل ما يعتبرة اليسار رجعية وتخدير للجماهير من اجل مص دمائها والسيطرة عليها، فبات اليسار لا يقراء في الدين غير السلبية والاستكانة والتخلف ولم يفرق بين الدين كدين وبين استخدام الدين من قبل الناس، وهذا بالضبط ما عبرعنه علي أبن ابي طالب كرم اللة وجهه حينما قال فيما معناه ان المصحف لاينطق بل تنطق به السنة الرجال. وهذا في المجمل كانت نتائجه حرمان الناس من ضمانة اخلاقية ووازع لاتملئ القوانين والفلسفات اي كانت مكانه لضبط السلوك، وحرمت اليسار تحديدا من منهل ثوري لاينضب وقناة اتصال مباشر مع القواعد بلغة تعرفها، والاخطر من ذلك ترك الدين فريسة سهلة للدجالين والافاقين والتجار.

اليمين والدين

لا ادري لماذا سمي تيارالاسلام السياسي باليمين؟ ومهما كان السبب استنادا الي التسمية القرانية لجماعة ما ووصفهم بأهل اليمين ، أوبسبب اليسارالواصف لكل ما هو مدعاة للتخلف والتعصب باليمين الشئ الذي لايخيف اليمين بل يفتخر بكونه اصولي اي مرجعيتة للاصل اوالاصول ، واي كان السبب فأن وصف جماعة ما لنفسها انطلاقا من معطيات دينة، خاصة في الظروف التاريخية الحالية للامة يقود وبلا شك بشعورها بأنها تمتلك اذنا سماويا بالقيومية ليس فقط علي الدين بل حتي علي الارض وما عليها. وبأنها الوحيدة المالكة للحقيقة وبالتالي لاصحة الالتفسيراتها سواء اكانت دينية اودنيوية، الم تكفرتيارات الاسلام السياسي المتطرفة المجتمع ككل؟، وحتي المعتدلة منها قسمت الارض


الي نصفين الجماعة ومجتمع الجاهلية ، وهنا الا تلاحظون ان اليمين واليسار تجمعهما منطلقات فكرية واحدة فكلا الفريقين يخالجة شعور

بكونه المالك الوحيد للحقيقة أوهكذا يتصرف فعلا، حين يتحدث اليسار عن نفس القسمة اي المجتمع قبالة الخميرة الثورية التي يجب ان تقودة.وهذا دليل كاف علي ان الديمقراطية لم تصبح بعد عنصرا اصيل في فكرنا بعد.
ان استغلال اليمين لمهماز ذوقدرات لانهائية كالدين، جعلها الاقرب للجماهير والاكثر قدرة علي تعبئتهم ونيل عطفهم، ولكن الشعور الداخلي لدي اليمين بأمتلاك الحقيقة والاحتماء وراء الدين جعل وتلقائيا كل من يخالفة بالضرورة مارق يجب عقابة أوليس بخارج عن الدين؟ ولهذا كان الفكر ضعيفا والاداء اضعف والنتائج غير مفيدة في المحصلة النهائية.

نتائج عامة

ان تناول اليمين واليسار للدين انطلاقا من العقيدة الغير معلنة والتي تفترض امتلاك الحقيقة قاد الفريقين لتشوية اسمي العناصر في الامة، وعدم القدرة علي تقديم حلول عملية وواقعية لاشكالاتها وأزماتها، وأقتصر الامر علي عناويت عريضة.فكيف نحارب الفقر ونقسم السلطة والثروة تكون اجابة اليسار الاشتراكية هي الحل، واجابة اليمين الاسلام هو الحل أوليست هذه هناوين عريضة ناهيك عن ترسيخ الديمقراطية وقبول الاخر.
أن الدين وخاصة الاسلام اصبح أكثر من ديانة في الوطن العربي فهو رمز لهوية الامة حتي لغير المسلمين فيه، وبالتالي فأن اغفالة أو النظر الية بسلبية من قبل اليسار، قطع واحدة من اهم سبل اتصالة مع القاعدة، وقاد الي عملية اشبه بنزع الهوية عن الامة، وجعل منه فريسة سهلة لكل من أراد الاتجار به أو الاستيلاء علية. أما اليمين فقد قسم الناس الي فريقين مؤمنين وكفار، ومن هنا بات من الضروري التوصل الي صيغة عملية وقانونية تجعل الجميع يؤمنون علي دور الدين واهميتة ولايجعلون منه حكرا علي احد، فهي دعوة لخلق مجال متعادل يحوي الجميع ويجعل من جماعية الدين اول خطوة نحو الوفاق وترسيخ الديمقراطية.

أيمن حاج

تعليقات

نتيجة التسويط في هذا الموضوع كانت
1) 67% موافق.
2) 17% لا أوافق.
3) 17 % الي حد ما

حيث كان السؤال - هل تعتقد ان اثر الدين في المجتمع اخذ في التدهور نتيجة تناول اليمين واليسار له

المشاركات الشائعة