اليمين واليسار شجاعه مفقودة


ما الذي يحدث سياسيا الان؟ فبينما تميل امريكا الاتينية سياسيا نحو اليسار ، تميل المنطقة العربية والشرق الاوسط نحو اليمين .
وأول ما يتبادر الي الذهن عندما يذكر اليمين التعصب والتطرف بكافة اشكالة الدينية و السياسية اوالعرقية وحتي الاقتصادية ، أما اليسار فدائما ما يعني الثورية والشعبية ورفض الواقع. وهذه بالطبع مفاهيم وتقسيمات قديمة من تركة الحرب الباردة، أما الان فالصورة أكثر تداخلا تحت وطئة احادية القطب والعولمة وتحرير الاسواق. وبالتالي فأن التيارات الاسلامية مثلا والتي تاريخيا كانت تنعت باليمين اصبحت الان امريكيا توصف بالراديكالية والمروق وشعبيا تنظيمات ثورية، والتيارات اليسارية باتت وتحت ضغط انتصارالقطب الاوحد مجموعات من المهزومين الرومانسين الحالمين الذين يتحدثون لغة غير مفهومة، ولكن وفي النهاية يبقي عمليا تحديد من في اليمين ومن في اليسار مسألة نسبية بحتة تعتمد علي الزمان والمكان والميل العام. .

لماذا اليمين وليس اليسارالان

وأذا التزمنا بالتقسيمات القديمة للاتجاهات السياسية أي من يمثل اليمين ومن اليسار، فسنتبين بسهولة أن يمينية الشرق الاوسط عموما والوطن العربي خصوصا المتنامية في صورة أزدياد شعبية تيارات الاسلام السياسي معتدلة كانت أم متطرفة ماهي الا ردة فعل طبيعية لعدد من العوامل جعلت القاعدة الجماهيرية مفتوحة بالكامل عليه:-

· اولها – الفراغ الناتج عن فشل النخبة العربية الحاكمة في تقديم مشروع نهضوي حقيقي يلبي حاجيات المنطقة ويحل اشكالياتها وأكتفائها بلعب دورالراعي للمصالح الخارجية في مقابل الاحتفاظ بالسلطة.
· وثانيها – فشل المقابل الموضوعي لها وهو اليسارليس بتقديم نموذجه وحسب ، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية كنمازج تضرب، بل حتي ايجاد لغة تخاطب مفهومة بينه وبين الجماهير (كان دائما اليسار في المخيلة العامة هو العداء للدين اوالمتمرد علي التقاليد مما قلل انتشاره).
· وثالثها – سياسة الولايات المتحدة ، فمع أن كثيرمن تنظيمات الاسلام السياسي خاصة تلك المتطرفة ولدت من الرحم الامريكي تنظيما وتدريبا ودعما اما كأدوات في الحرب الباردة، أوذريعة للتدخل فيما بعدها، كما حدث في افغانستان والعراق واخيرا الصومال. جعلت الامر يبدو وكأنه حرب علي الاسلام كديانة، خاصة وأن منظري الولايات المتحدة تحدثوا كثيرا بهذا الخصوص وصراع الحضارات مثال واضح علي ذلك. مع ان الولايات المتحدة لايهمها دين من الاديان أوعرق من الاعراق بقدر ما يهمها تحقيق مصالحها كقوة عظمي وليس كما يتوهم البعض بأنها حرب دينية أوكما يشيع البعض الاخر.
.
شعبية اليمين – الاسلام السياسي كمثال

ليس خافيا الان ان هناك ميل شعبي واضح وكبير نحوهذا التيار في المنطقة، يتجلي في الفوز الكاسح في اي انتخابات تجري هنا أوهناك، ويمكن تلمس ذلك في التجربة الجزائرية رغم دمويتها، أو في تركيا الشئ الذي استدعي تدخل الجيش لوقف هذا المد، الي الاردن الذي حازت فيه التيارات الاسلامية علي 17 مقعدا سنة 2003 في برلمانة، الي فوز حماس الكبيربالسلطة في فلسطين الي الاكتساح الواضح في الانتخابات النقابية والتشريعية في مصر، فقد حاز هذا التيار 20 % من البرلمان المصري مؤحرا.
ففي استفتاء اجرته قناة الجزيرة الاخبارية كان السؤال – هل توافق علي تحزير الرئيس مبارك من خطر الاخوان المسلمين في مصر- اجاب 83.4% من المشاركين والذي بلغ عددهم اكثر من 33 الف بعدم الموافقة. كل هذه المؤشرات تدلل علي ما قلناه من وجود بل ازدياد القاعدة الشعبية لهذه التيارات بغض النظر عن الاسباب والمسببات.
الا أن هذه الحقيقة والتي يحاول البعض انكارها والبعض الاخر استخدامها كدليل علي ان هذا هوالحل والمخرج بدعوة أن الشعوب تميل للاصح تلقائيا، لاتعني بالضرورة امتلاك هذه التيارات لمشروع نهضوي حضاري واضح ومتكامل، فهذا شئ يلزم اثباته تجربة عملية علي ارض الواقع لايتيحه الا تبادل سلمي للسلطة واجواء صحية من الحرية والديمقراطية وهذا بدوره اما شئ غائب، أو تعثرت العملية منذ البداية لسبب أولاخر .
فتجربة الانتخابات الفلسطينية والتي قادت حماس الي السلطة لم تمنحها الفرصة كاملة أوالاجواء المناسبة رغم انها لازالت مستمرة حتي الان لاختبار فكرها عمليا نتيجة المحاصرة والتضيق الذي يمارس عليها داخليا و خارجيا.

يسارية امريكا الاتينية

الشئ المعاكس تماما هو ما يحدث في تللك القارة، فقد تعدي الامرمجرد ميل شعبي متزايد تجاه اليسار، الي فوز بالسلطة في معظم دول القارة جراء معظم الانتخابات المجراة.
فأذا كان الدين هو الخيار المفضل هنا اما لكسب الشارع بدغدغة مشاعرة أو كان ذلك ميل طبيعي نحوه سياسيا للاسباب التي ذكرناها، فأن السياسات الشعبية ودعم الفقراء ومحاربة الراسمالية وشعارات اليسارعموما هي المستقطب الاول والاساسي في الدول الاتينية، وليس الدين وهذا ليس لكونهم غير متدينيين بل ان الدين كان واحدا من اسلحة اليسار هناك تجلي في اوضح صورة فيما يعرف بلاهوت التحرير.ولكن لان الاوضاع الداخلية هي المحرك الاساسي للسياسة والاقتصاد وليس الخارج كما هو عندنا، فتنظيمات اليمين واليسار في الوطن العربي والشرق الاوسط احتلت العلاقة بالخارج جل تفكيرها وتنظيرها وليس التركيز علي مشاكل الداخل. مع أن الفقر هنا وهناك واحد، والامية والمرض واستغلال الدول الغنية والدكتاتورية كلها نفس المشاكل، وذلك بسبب كثرة التدخلات الخارجية لاهمية النمطقة عالميا وبسبب المواجهة المستمرة مع الدولة الصهيونية كجسم غريب، وهذا بدورة غيب عليها حقيقة مهمه الاوهي ان النضال والتغير يبدأ من الداخل. ويبقي فرق اساسي هو أن يمين ويسار امريكا الاتينية توصل لصيغة لتبادل السلطة جعل من التجربة الديمقراطية هناك اكثر ثراء، بينما لازال الوضع هنا يراوح التنظير الورقي او السجالات العنيفة، وظلت النخب الحاكمة هي هي تقبض علي السلطة.

اليمين واليسار – واقع الحال

يجب التميز بين ثلاث لاعبين علي المسرح السياسي الشرق اوسطي والعربي، هم بمثابة محاور جذب وأستقطاب دائم للجماهير العريضة:-

- النخبة الحاكمة.
- التيارات اليسارية بصورة عامة وابرزها الماركسية والقومية.
- التيارات اليمينية بصورة عامة وابرزها تيارات الاسلام السياسي.

فالنخبة الحاكمة تستقي شعبيتها اما بسلطة القدم فهي الوحيدة المستحوزه علي السلطة منذ قيام الدولة الحديثة في المنطقة الشئ الذي يمنحها نوع من الشرعية في الذهنية العامة للجماهير ، أو تفرضها فرضا بأعتبارها المالك الفعلي للثروة وقوة تنفيذ القرارات، يدعم كل ذلك الدعم الخارجي الامحدود نتيجة تحالفات استراتيجية وموازنات عالمية.
وهذا القطب أي النخبة الحاكمة له المقدرة دوما علي تغيرتوجهاته بحسب ما تقتضي المصلحة فتارة يتبني اطروحات اليمين وتارة اخري يتلبس باليمين.

أما اليسار فهو تماما مثل اليمين، لم يتم اختباره بشكل حقيقي، فالقراءة المغلوطة للتاريخ الحديث، توحي بأن التيارات اليسارية نالت فرصتها وتم اختبارها فعليا بأستيلاء كثير منها علي السلطة وقد يكون بعضها قائم حتي الان ، الان ان هذه حقيقة ناقصة فصحيح أن التيارات اليسارية استولت علي السلطة هنا وهناك الا ان المستولين عليها سرعان ما تحولوا الي محورالنخبة الحاكمة، وتنكروا لقواعدهم بل وصل الامر في بعض الاحيان حد التصفية، فليس بخاف ما حدث في التجربة الجزائرية بقيادة جبهة التحرير او التجربة الشيوعية في السودان المولدة لنظام مايو، او ماحدث بعد تولي صدام الحكم والامثلة كثيرة. وبالتالي تكون مقولة انها اختبرت عملية غير واردة، ولكي يفهم الحديث جيدا فالاختبار العملي الذي نقصدة هو في ظل التبادل السلمي للسلطة وليس التفرد بها فهذا انزلاقاتة كثيرة بل مؤكدة، والمقياس ماحدث في نيكاراجوا حيث استولي اليسارين علي السلطة بقيادة الساندنستيين وفي اول انتخابات تم استبعادهم وبعد عدد من السنين عادوا مرة اخري للجكم بعد تغيرات كثيره اجروها في الفكر والتطبيق.


ضريبة الديمقراطية لمن يريدها

رغم انني لست من المؤيدين لتيار الاسلام السياسي سواء من حيث الفكر أو التطبيق لعدد من الاسباب، الا انني اشارك الراي القائل بأن حرية التنظيم والتعبير ومشاركة السلطة وتبادلها السلمي هو المخرج الوحيد للمأزق والاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشة المنطقة.
ولكي نكون اكثر واقعية، فأن هذا الامر يحتاج الي نضوج لايتأتي بين يوم وليلة، بل يحتاج الي كثير من التجارب والخبرات والتي قد تحمل بدورها كثيرا من المشاكل والاخفاقات، وكل ذلك للوصول لصيغة مثلي لقبول الاخر من جهه، وخلق الاستقرارالسياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومن جهه ثالثه غربلة المفاهيم والتيارات المختلفة ليبقي الصالح منها كنتيجة منطقية للاختبار العملي امام الجماهير.
أما مادون ذلك فسوف يجعلنا ندور في دائرة مغلقة من التنظير الفارغ، ليظل الوضع علي ماهو عليه من مؤامرات وقمع وكبت للحقوق او بمزيد من التأزم أن صح التعبير.
أن القول بأن الاصلاحات الاقتصادية كفيلة بتجفيف ينابيع المد الشعبي تجاه اليمين امر غير صحيح، لآن الحرية غائبة، والقول بأن اليسار ما هو الادعوة لتقويض الدين اشد فظاعة وتنكيل ومحاولة مغلفة للاستيلاء علي السلطة والثروة وحتي الدين، واستطلاع سريع للوضع السياسي والتجارب اليمينية واليسارية في المنطقة كفيله بأثبات ما نقول، اذن الامر يحتاج اولا الي شجاعة الاعتراف بالاخر ثم بتسليم الامر للشعوب، وبالتالي ولكي يكون الامر اكثر عملية نطرح السؤال التالي، ما هي الخطوة العملية تجاه تحقيق ذلك؟.

أيمن حاج



تعليقات

المشاركات الشائعة