لدي 190 قناة فضائية - تأملات في الدش


قد يقول قائل اليوم افضل من الامس، فبالامس كان في كل بلد عربي أو في دول العالم الثالث قناة تلفزيونية واحدة، أما اليوم فالفضائات مفتوحة ولاشئ يمكن اخفائه، وانا اذكر جيدا حين كانت القناة الواحدة هي سيدة الموقف، وحين كان للبث زمن معلوم لبدايته واخر معلوم لنهايته، وحيث كنا نحفظ البرامج عن ظهر قلب، اما الان فلا تدري اين هي البداية واين النهاية وماذا يقدمون أوسيقدمون لك، فلامراصبح اشبه باليانصيب حين يحملك جهاز التحكم عن بعد بمحض الصدفة لشئ تشاهده.
وعندما تأملت جهاز الاستقبال خاصتي، اكتشفت أن الفضائات ليست بمفتوحة للدرجة التي نعتقد، فكل ما في الامر أن هناك بعض الثغرات فقط في جدار الفضاء، تمثل العاكس الحقيقي للواقع المعاش.
فاذا كانت القناة الواحدة في زمنها معبرة عن النظام الحاكم، ويسهل من خلالهاغسل ادمغة الناس وحجب اشياء واظهار أخري، فأن عصر القنوات المتعددة بات يعبر بالاضافة الي انظمة الحكم عن افراد واحزاب وجماعات مختلفة تباينت اهدفها واتفقت علي هدف واحد غير معلن هو المال، ورغم أن الواحد منا يحتاج لتوليفة من المعلومات منها السياسي والاقتصادي والعلمي ومنها ماهو ترفيه يروح به عن نفسه، الا أن هناك شعور واضح للمدقق يخالجه حين ينظر للصورة ككل بأن مايحدث هو محاولة واضحة لجعلنا نعيش زمن افتراضي مخالف لذلك المعاش يعتمد في الاساس علي الهدر السافر للزمن وقيمتة، ويلهينا عن مشاكلنا الحقيقية.
وقد يقول قائل بأنه من حق اصحاب الاموال استثمار ثرواتهم عن طريق انشاء قنوات بهدف الربح التجاري فنحن نعيش في عهد السوق، ولكن من حقنا كذلك ليس فقط ان نتحدث عن الاثارالسلبية ونكشف الاساليب اللااخلاقية لذلك، بل نتفكر في كيف استطاعت القنوات الفضائية ان تجذبنا كل هذا الجذب.


دعوة للاستهلاك

اذا كان الموضوع تجارة فابسط قوانينها العرض والطلب، والعرض يحتاج لتسويق والتسويق يحتاج لدعاية وهكذا، فمن المعروف الان ان القنوات تعتمد في دخلها بشكل اساسي علي الاعلانات التجارية كمصدر للدخل والربح فهي كذلك باتت منظمات ربحية بشكل أوبأخر، اما القناة التي لاتجد من يعلن فيها فمشاكلها المالية كبيرة، وهذا مايجعل قناة رائدة مثل الجزيرة تعتمد اعتمادا جزريا علي اعانات الحكومة القطرية والتي تجاوزت ال50 مليون دولار سنويا بسبب منع دولة خليجية كبيرة شركاتها من الاعلان في القناة المذكورة لانها انتقدت سياساتها ونظامها الحاكم. لذلك فالاعلان التجاري موجود في كل القنوات، ولكن حين اجد أن 4.5 % مما اشاهده قنوات متخصصة في الاعلان التجاري وتقدمة علي مدار اليوم يكون هناك تساؤل فيما يحدث، فالمعروض من حيث النوعية والاهمية اكبربكثيرمن الامكانية الشرائية لاكثر من 90 % من الشعوب العربية مجتمعة والتي تعيش معظمها تحت خط الفقروتكابد لتوفير اساسيات الحياة فمن يخاطبون اذن؟، ولكن فلنعترف بأن هناك تأثير حين نجد طالبا اوموظفا أوحتي عاطل يدفع مبالغ مقدرة ليقتني جهاز محمول علي اخرطراز.

رقص وطرب

بصراحة لست ضد الفنون اي فنون كانت، فهناك فرق بين الفن والمسخرة علي حد قول اهل مصر.
ولكن حين احصي 8.4 % مما اشاهده، قنوات تخصصت بالكامل في الرقص والطرب اقول واللة الفنون مزدهرة عندنا، الا أن الامر مختلف فالفن الحقيقي يعرض في جزء ضئيل يمكننا تجاهله دون ان تتغير النتائج ليبقي الرقص الخليع والتعري الغيرمبرر هوالمسيطر، والاغاني التي لاتمت بصلة للشعر، والتلوث الضجيجي البعيد كل البعد عن الطرب والتطريب الجميل، انها حقيقة مسخرة.



مذهبية – تطرف – تجارة


القبول بلاخرمشكلة المشاكل عندنا، ويزيد الامر تعقيدا عندما يكون الدين طرف في المعادلة،وبما ان النقاش في الدين اي كان امر شائك ومحفوف بالمخاطر، فاننا ومنذ البداية نؤكد دعمنا لنشر الفضائل والاخلاق التي تدعولها الاديان، وبالتالي يكون ماأشاهد من قنوات دينية بلغت نسبتها 6.4 % أمر جيد،الا أن هناك ملاحظات اساسية لايمكن التغاضي عنها، فقد اصبح واضحا أن الاعلام الديني أن صح التعبير بات هو الاخر واقعا تحت تأثير الجاري في المنطقة من فرز مذهبي وسياسي عنيف، أنتشرت علي اثره قنوات مذهبية سنية وشيعية، لا تغطي كل الطيف المذهبي وحسب بل تلعب دورا بارزا في خدمة التعصب المذهبي وتذكيته، وهذا امر طبيعي حين نعرف أن جلها اذا لم يكن كلها ماهي الا واجهات لانظمة سياسة بعينها اومدعومة برساميل تجارية بحته، وهذه الاخيرة اصبح الارتزاق من وراء الدين احد مصادر جمع المال عندها لهذا نري بوضوح ظاهرة الدعاة النجوم علي غرار نجوم السنيما أمرا عاديا في هذه القنوات،أونجد احدهم يفتتح قناة للمسخرة واخري ناطقة باسم الدين بالضبط كذلك الذي يسرق الناس ويبني لهم جامعا للعبادة. والاكثر مدعاة للتعجب تلك القنوات التي تقول بالعلاج بالقران من خلال الاستماع اليها قاطعة بذلك اهم عنصر من عناصر العلاج اي كان نوعه وهو التفاعل الحي والمباشر بين المريض والطبيب
.
الحكومة مازالت موجودة

علي الاقل فيما املكه انا 10 % قنوات حكومية أورسمية،فأنظر كيف ترتفع النسبة كدليل علي استمرار الدولة في السيطرة علي مجريات الامور بيد من حديد، ورغم ان قنوات الدولة تحظي بنسبة مشاهدة متدنية للغاية الا ان هذا التواجد العالي يذكر دوما ويقول لاتنسوا فأننا لازلنا هناك.
ورغم ان القنوات الرسمية تشترك مع البقية في أوجه كثيرة الا انها لازالت تصرعلي التمسك بالنمط القديم لعصر القناة الواحدة،فهي لاتتحدث الا عن دولة الرئيس وفخامته وجلالتة وسموه، متناسية كون انها يفترض ولو نظريا قناة كل الناس والناطق الرسمي باسمهم ، لذلك فهي عاجزة عن قول الحقيقة واتاحة الفرصة للاخرين وبالتالي فهي غير جاذبة ولافعالة، بل مساهمة في دفع الناس نحو الانحطاط الاعلامي الفضائي، واحد مسببات ميل المشاهد نحو مالاينفع اما هربا من مللها اونكاية بها.

الظاهرة العراقية


قبل كل شئ تحية للمقاومة العراقية الباسلة.
بعدأن تصدر لبنان قنوات التلفزة الفضائية الخاصة،المدعومة حينا بأموال البترول الخليجي، وحينا اخر بالمال الطائفي والحزبي اصبح الان العراق في المقدمة،لامن حيث عدد القنوات فقط بل من حيث انعكاس الواقع المتفتت عرقيا ومذهبيا وسياسا بعمق فيه، فنسبة ما أملكة من قنوات عراقية بلغ 7 % علي الاقل التي استطعت التعرف عليها من خلال الاسماء.اما الذي احصته مجلة روزليوسف في احد تقاريرها فبلغ ثلاثون قناة فضائية منها سبعه سنية وسبعة شيعية واربعة مسيحية واربعة كردية والباقي مملوك للحكومة ومدعوم امريكيا بحد قول التقرير فهل هذا دليل علي حرية الاعلام وحق التتعدد، أم هو نذير تفتت العراق والوطن العربي نهائيا علي اسس مذهبية ودينة وعرقية

دردشة ومسابقات وقراءة للطالع

كرهت حتي ان احصيها لالشئ الا لكونها احد المصادر المبتذله لامتصاص الاموال من الناس ليس بهدر الزمن الذي ماهو الا مال مهدر، أو مباشرة بالاتصالات والرسائل القصيرة السمجة المرسلة، فماذا يعني ان تظهر لك فتاة مبتذله لتسأل سؤالا اكثر ايتذالا مقابل الاف من الدولارات لمن يجيب، هي بالاساس نقطة في بحر مما يجنوة جراء تكاليف الاتصالات.
أوما معني أن يظهر عليك رجل او امراة شمطاء تنظر في كرة زجاجية ليخبروك بمستقبلك، اليس هذا وجه من اوجه عدم القدرة علي الانتاج، فبتنا حتي لانستطيع انتظارما تخبئه لنا الاقدار مع ان جزء كبير منها صنع ايدينا.
كل هذا كوم وما يسمي بتلفزيون الواقع كوم أخر، فلا ادري كيف ان اناس يمكن ان يقنعوا الاف المشاهدين ان بأمكانهم تعليم افراد مواهب ربانية مثل الغناء والتمثيل والرقص والخطابة، اليست هذه بمهزلة؟ ودون مواربة مثالنا برنامج مثل استار اكاديمي اتفه برنامج رايته في حياتي.
أو برامج الزواج، فكيف يستقيم عقلا ان يتم اقدس الاقداس بهذه الطريقة التي اقل ما يقال عنها انها مهينه.

هل انا ممل؟

لست كذلك، فأنا لست ضد الترفية والاستمتاع والتنوع، ولاادعي ان التجارب المحترمة والواعدة غائبه كليا، ولاأقول البرامج الهادفة اختفت فهي هنا وهناك فقط انني اشعران النعمة تتحول يوما بعد اخر الي نقمة، فبعد ان رحمنا العلم من سيطر الاحادية، لنعكس التنوع البناء ونتبادل المعارف والهموم والحلول، اصبح التعدد معول هدم وتخريب لوتكريس للفروق، الاترون ان مايحدث لايبني مستقبل ولايعكس متطلبات واقع تحتاج لحلول، وكيف يفعل فالقنوات العلمية لاتتجاوز 1.7 % في مجتمعات اشد ماتكون للعلم والاطفال لايحظون سوي 1.6 % من القنوات المتخصصة، والمراة والصحة بسوي 1%، وبالمناسبة هذه النسب فقط في ما امتلكة في بيتي واراهن ان اي شخص يحصي ما يشاهد حتي ولو تضاعفت قنواته سيجد نفس النسب تتكرر.فكم ياتري يكون لاهل السودان من القنوات اذا ما كانت بهذا الفهم؟
ويبقي السؤال كيف استطاعوا ان يجذبونا كل هذا الجزب؟ وهذا ما سوف نحول بحثه في فرصة اخر
ي.

تعليقات

نتيجة التصويت علي (هل تعتقد ان الفضائيات العربية بشكلها الحالي معول هدم للوحدة) كانت كما يلي


50% موافق

10% لا أوافق

40% نوعا ما

المشاركات الشائعة