اعدام صدام حسين .. حقائق تاريخية بسيطة


عندما تتغطي مرايا نفس الانسان بشرخ اشبه ما يكون بشبكة العنكبوت، يكون بالكاد بأمكانه التطلع لما يختلج في صدرة، وكيف لا! فحين تختلط الاشياء الابيض والاسود، فرحة الميلاد والاعياد بالموت والحزن، الحب والكره بالصدق والخيانة، العدل بالظلم تصبح المرارة هي سيدة الموقف، هذا بالضبط ما حدث صباح اول ايام عيد الاضحي علي نبأ اعدام صدام حسين. فأضاء بقع كثيرة مظلمة في الذاكرة.

حقيقة تاريخية أولي

الي نهاية الثمانينات حين كنت يافعا تجذبني احاديث السياسة والسياسيين حيث (كان الناس عندهم نفس كما يقول ابي يرحمه اللة) ارحعني النبأ، وحينها لم أكن اعلم ان انهيار الاتحاد السوفييتي سوف يجعلنا نحارب وعلي كافة الجبهات وظهورنا الي الحائط، وأجزم ان صدام نفسه ولاحكام العرب كانوا يعرفون ذلك والا لما وفعت حرب الكويت، فكم كان من هللوا لسقوط السوفييت اغبياء!ويخطأ من يعتبر صدام المسوؤل الوحيد عنها.

وفي تلك الفترة لم اكن افهم ما يحدث لنا ولماذا ؟ لماذا كل هذا القدر بالشعور بالهزيمة والخزي؟! لماذا كل هذا الكم من اهدار الكرامة و انعدام القيمة كان يعشعش في دواخلنا؟! فلا قيادة ولامثل اعلي ولانموزج يتبع . فالكبار علي السواء في الداخل والخارج كانوا قد فقدوا مكانتهم عندنا كجيل. هم ايضا قالوا نفس الكلام حين استنطقناهم حتي بات الامر اشبه بالصفات الوراثية لامفر من ان ترثها، اصبح في عقلنا اننا امة غير قادرة علي التغير هكذا بالفطرة وهذا هو مصيرنا الي النهاية، وكل جيل يورث ذلك للذي يليه وهنا انقسمنا الي فريقين، فريق تبني وعاش الحلم الغربي الي مالانهاية، وفريق غرق في الماضي بكلياتة وغيب عقلة عله يتفادي الشعور بألم الحاضر، اذكر انه حين اتت الانقاذ وكنت في المدرسة الثانوية كانت كوادرالاحزاب تراهن علي انه يمكن التغير من خلال الشارع ولم نكن ندري كلنا بما فينا الانقاذ ان رجل الشارع يتهكم علينا جميعا ويقول (عشان يجي منو؟؟). فأصبح الحلم مجرد الحلم بالدولة القوية بالتعليم والصحة والحرية والصناعة والزراعة اشياء عصية علي التخقيق ومستحيلة المنال. انه الفراغ

حقيقة تاريخية ثانية

وحين صحونا ذات صباح ووجدنا صدام في الكويت ، هلل رجل الشارع وكبر فرحا بذلك وايد الغزو حتي وقبل ان يعرف الاسباب، هل تعرفون لماذا؟ لآن ذلك كان بمثابة الحجر الذي القي في البركة الساكنة، لانه الحدث الذي مس الوتر الخفي في قلبه والذي بين مدي الانفصال بين الشارع والحكام وقدر اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء ، فلقد بعث فيه املا في استرداد كرامتة المهدرة والمذبوحة بسكين الامريكان في قصور الحكام وعلي مذبح صهيون،وكيف لا؟ وهو يشاهد صواريخ صدام تتساقط علي اسرائيل وقواعد الخليج، فمن مطعم صدام ومغلق صدام واستديو صدام ومخبز صدام ومقهي صدام والمواليد الذين اطلق عليهم اسم صدام اصبح الرجل رمزا في ظل غياب القيادة والمثل الاعلي. الملهم الذي يوحي لرجل الشارع بأنه لازال قادرعلي ردع أعدائه. فلتة زمانه وصلاح الدين الجديد. فانظروا كيف تصبح الديكتاتورية حلما واملا وعقيدة عندما يسود الضياع واللاامل امة من الامم. فما الفرق بين ان نعبد صنما أو أن نتطرف حتي نرفض كل شئ حتي انفسنا؟ أولم يكن الوضع هكذا؟؟.
ومرة اخري يصحو هذا الشارع المتعب علي وقع الهزيمة وهدر الكرامة حين يحاصر نفس الرجل ويجبر علي التخلص من اسلحتة ويقتل العراق وتهدم قاعدتة العلمية التي لامثيل لها في العالم العربي وتغطي اراضية الاف طلقات اليورانيوم المنضب ليبقي الموت سنينا فيه.

حقيقة تاريخية ثالثة

بعد أنتهاء حرب الكويت ، ادرك رجل الشارع ان عصر النبوات قد انتها، عهد الرجل الاوحد انقضي، فلا مجال للاسكندر المقدوني أوصلاح الدين وقطز ونابليون. عرف ان لافرق بين حكامه، ولااختلاف بين من يسقط الصواريخ علي الاعداء ومن يتبجح بكل سماجة بأنها مجرد فرقعة، بين من يمنح الفرصة وعلي طيق من ذهب لللآجنبي ليتدخل ومن يحول بلادة لقاعدة تنطلق منها طائرات امريكا لتقتل الاطفال والنساء، ومرة اخري لاقيادة ولامثل اعلي انه الفراغ ثانية، ولكن مع فارق بسيط فقد تحول العراق وليس صدام حسين هذه المرة في ناظرية الي قلعة للصمود، فعصر الرجل الاوحد قد انتها بعد ان تحطم اخر الرجال، وبداء عصر الجماهير، أولا ترون تعامل الشارع مع انتصارات لبنان الاخير لقد تعامل مع المقاومة وليس حسن نصراللة.

حقيقة تاريخية رابعة

وفي هذه الظلمة غرقنا بكلياتنا مرة اخري في دوامة اللاثقة ، وثانية انقسمنا الي فريقين فريق الغرب وفريق الماضي وفي هذه الظلمة كان شعاع النور الوحيد صوت ايمانا داخلي خافت الصدي أن الديمقراطية والخرية هما الحل الاخير، فصمود شعب العراق تحت الحصار اثبت بما لايدع مجالا للشك أن الذي يتحمل ويصبر هي الشعوب وليس الحكام وأن الذين يكسرون ارادتنا هم نفسهم الحكام، فهذا ما اصبح حقيقة تاريخيا لايمكن اخفائها فغزو العراق الاخير هذه الحرب التي لاتملك ادنا قدر من الشرعية ، هذه الحرب التي عرف الجميع انها بنيت علي الكذب فلااسلحة دمار شامل ولاقاعدة ، حتي الشعب الامريكي والذي صرفت ملياراته سدا بات يعلم ان دماء ابنائه لايعوضها البترول، هذه الحرب التي منحت نظام صدام الشرعية مهما قال الكذابون والعملاء وحولته الي بطل كشفت و بشكل سافر الي اي مدي كان الحكام ضالعين في كل ماجري ، فمن اين انطلقت الطائرات؟ ومن أين تزودت البوارج؟ ومن أين دنس مشاة امريكا ارض الرافدين؟ فكلها اسئلة باتت معروفة الاجابة عند الشارع ودقت اسفينا عميقا بينه وبين الحاكم فهذه حقائق تاريخية لاتنكرونها.

حقيقة تاريخية خامسة

مهما انزوينا ومهما انكسرنا ومهما تشرنقنا في غيبوبة الغرب او الماضي يبقي الضمير الحي هو قلب الشارع، فلاامريكا ولا من دخلوا بغداد علي ظهور دباباتها استطاعوا اقناعنا بأنهم اتوا لخيرنا، لذلك لم يبقي سوي الطائفية والعشائرية سندا وحيدا ومصدرا اساسيا للسلطة والنفوذ، فما لايمكن اخفائه انه حين كان صدام في الحكم خفت الطائفية وانزوت هم يقولون بالقمع والقتل والترويع ولكن يبقي فاقد الشئ لايعطيه، فحين تعجز عن تقديم البديل تكون في نفس المصاف والادهي والامر ان القتل والترهيب والتشريد والآفقار فاق عهد صدام وتجاوزه والطائفية باتت هي اللغة السائدة ، كل هذا يصب في خانة صدام وليس العكس افضل وارحم بكثير، علي الاقل باتت له الشرعية فما بني علي باطل فهو باطل.

حقيقة تاريخية سادسة

لازلنا نكذب حين نصف صدام ونجعل منه السفاح الوحيد، والصوت النشاذ في السينفونية العربية، أن من يتعامل مع صدام بأعتبارة فرد يخطأ خطأ جسيما ويكون اما جاهلا واما كذابا، فصدام ظاهرة تاريخية في منظومة حكم ماثلة في كل بلد عربي، دون استثناء الا من رحم ربي، كل الفرق في كون ان حظه العاثر جعلة ضحية لقوي الاستكبار العالمي لتجعل منه باب اخر للولوج الي الامة وبشكل دموي، مشكلة صدام الاساسية انه شخصية وقعت فريسة لتجاذبات المتناقدات، فمن الفردية المطلقة والنفوذ المطلق والحكم المطلق الذي يجعل الانسان يفعل اي شئ ويقاربة الي حالة الشعور بالآلوهية الي التعامل مع الوقائع السياسية خاصة في حالة الهزيمة العربية الشاملة والعمالة المطلقة بأخلاق البدوي والتي تقوم علي الشهامة والرجولة والمروئة، وهذا ما يجعل عبد الباري عطوان رئيس تحرير القدس اللندنية يتسائل عن ما الذي يجعل صدام حسين يشتري بضائع من مصر بخمسة مليارات دولار ليفك ضائقتها وهو محاصر، ما الذي يجعلة يقدم النفط للاردن مجانا وهو كذلك وغير ذلك الكثير.
والخطاب العربي الرسمي بعد الاعدام علي استحيائة لازال يمارس نفس الاسلوب المكشوف والمفضوح للشارع، اسلوب الآلهاء تهربا من المسؤلية حين يقول بأن الاعدام كان يجب الايكون في عيد الاضحي، وكأن هذا هو لب الموضوع حتي لايتحدثوا حديث الشرفاء حديث الحرب غير الشرعية حديث المحكمة المهزلة حديث ضياع الحقيقة بستشهاد صدام فكنا نريد ان نعرف لماذا قتل وروع وشن الحروب من الذي ساعدة من المتورطين الذين اختفوا ما هي الحقيقة كاملة ، أن اعدامة وبهذه السرعة يضع الف الف علامة استفهام وكأن بعضهم خاف من استمرار الرجل في الحياة والبعض الاخر فضل ان يجعلة مطية لتسريع انجاز مصالحة.

حقيقة تاريخية سابعة

لطالما قتل صدام ، ولطالما ادخل بلادة اتون حروب كان يان يمكن تفاديها، واطالما تسبب في انكسارات للشارع العربي مثل رصفائة، ولكن حين نتحدث عن تأميم البترول يكون هناك فرق ، حين نتحدث عن بناء قاعدة علمية فريدة يكون هناك فرق، حين نتحدث عن محو الامية يكون هناك فرق والف فرق، حين نتحدث عن قصف الجسور ومحطاط الكهرباء وأصلاحها في زمن زجيز كالمعجزة وتحت الحصار يكون هناك فرق، حين نتحدث عن مواطن تكفل له الدوله حصتة الشهرية من الطعام وهي محاصرة يكون هناك فرق، عندما نتحدث عن عراق موحد تكون هناك الاف الفروق.




تعليقات

نشرت هذه المقالة باسم صاحب المدونة في صحيفة الحياة السياسية السودانية بعد استشهاد الرئيس صدام حسين.

المشاركات الشائعة